# 25_ خساير _ انهيار الأخلاق
# 25_ خساير _ انهيار الأخلاق
أخلاق الشباب انهارت بشكل ملحوظ بعد ثورة يناير
تحرش جنسى، ضياع هيبة المُعلم، تراشق بالألفاظ النابية بين المواطنين على اختلاف طبقاتهم، اختفاء القدوة، إهانة الرموز، اقتحام المستشفيات والإساءة للأطباء، استخدام هتافات تخدش الحياء فى بعض التظاهرات بعد ثورة يناير.. اختلت منظومة الأخلاق فى المجتمع المصرى، ولا تزال، فبعد 18 يوماً من عمر الثورة فى ميدان التحرير، ظهر الوجه الآخر للمجتمع.
بلطجة وتحرش واقتحام مستشفيات وضياع هيبة المعلم.. وهدى زكريا: الثورة كشفت عن مشكلات فى باطن المجتمع لم نكن نسمع عنها.. ويسرى عبدالمحسن: تخبط ثورى أفقد المواطن قدرته على وزن الأمور
التحرش الجنسى كان له نصيب الأسد، وبات ظاهرة تؤرق المجتمع بأكمله، وكانت «لارا جاروان» مراسلة شبكة «سى بى إس» الأمريكية، الطامة التى أحرجت المجتمع وأخرجت أسوأ ما فيه، فهى أول ضحية للتحرش بعد ثورة يناير، وبعدها فى 19 فبراير 2011، خلال احتفالات «جمعة الانتصار»، تمكن رجال القوات المسلحة من إنقاذ سيدة تعرضت لجريمة تحرش جماعى على يد 50 بلطجياً فى ميدان التحرير.
وفى 8 مارس 2011، وخلال مسيرة نسائية إلى ميدان التحرير، للمطالبة بحقوق المرأة، تعرضت سيدات وفتيات المسيرة لتحرش جماعى من الموجودين بالميدان، وفى 5 يونيو 2011 تم الاعتداء على ماريان عبده، مراسلة قناة «سى تى فى»، بميدان التحرير، وفى 25 يناير 2012 تعرضت العشرات من الفتيات لتحرش جماعى خلال الاحتفال بذكرى الثورة وخرجن فى سيارات إسعاف، وفى 8 يونيو 2012 خرجت النساء فى مسيرة ضد التحرش الجنسى، فتعرضن للتحرش، وفى 26 أكتوبر 2012 رصدت مبادرة «شفت تحرش» قيام صبية بالتحرش بالفتيات خلال عيد الأضحى.
إهانة المعلم داخل المؤسسة التعليمية، كارثة أخرى من مظاهر انهيار القيم، فبعد ثورة يناير تم إصدار قرار ملزم بإلغاء الضرب فى المدارس كعقوبة، بعدها تحول الطالب من مجنى عليه إلى جانٍ، وصار سلاح الطالب فى النصف الأول من عام 2011 هو «المطواة»، وظهرت 13 حالة فردية وجماعية استخدم الطلبة فيها «المطواة» أو «القَطَر» أو «السكين» فى عنف موجه ضد زملائهم أو مدرسيهم، وفى حالات الاعتداء والعنف الموجه من المدرسين ضد التلاميذ أو ضد المدرسين وزملائهم أو مديرهم، جاءت 32 حالة عنف.
وجاءت حالات العنف الموجهة ضد المدرسين والمديرين والنظار من قبل أولياء الأمور 15 حالة ما بين تعد بالضرب بالأيدى أو «الشبشب» أو تكسير المكتب، أو التعدى بالعنف، أو السب اللفظى والإهانة أمام التلاميذ داخل المدارس، أو اقتحام المدرسة للانتقام بسبب ضرب تلميذ أو إشاعة بموت ابن أو ابنة، أو منع دخول المدرسة، أو معاكسة فتيات من قبل الأبناء.
اقتحام المستشفيات والاعتداء على الأطباء والممرضين كان أسوأ ما شهده عام 2012، فبعد ثورة يناير صارت المستشفيات مرتعاً للبلطجية، ومنها مستشفى أحمد ماهر التعليمى، الذى حاصره ٢٠٠ بلطجى مستخدمين المولوتوف والأسلحة النارية، ما أدى إلى ترويع العاملين والمرضى بالمستشفى، وإصابة عدد من الممرضات بالإغماء، وإجبار الأطباء على العمل تحت تهديد السلاح.. وفى المستشفى نفسه تم الاعتداء على طبيب تجميل وتقطيع ملابسه وصفع طبيبة على وجهها وإجبارها على العمل.
وفى يوليو 2012 شهد مستشفى المطرية جريمة بشعة حينما اقتحم بلطجى المستشفى بحثاً عن مريض وعندما وجده فى غرفة الأشعة ذبحه من رقبته وسط ذهول الأطباء والممرضين وهو ما دعا الأطباء إلى الدخول فى إضراب كلى وجزئى للمطالبة بوضع حراسة أمام المستشفيات الحكومية.
التعبير عن الرأى ليس جريمة، ولكن طريقة التعبير نفسها ربما تسىء إلى المجتمع، مثلما حدث يوم 28 مارس 2013 عندما ذهبت مجموعة شباب من حركة 6 أبريل للتظاهر أمام منزل اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية وقتها، رافعين ملابس داخلية نسائية، وهو ما رفضه المواطنون واعتبروه خطوة عبثية بينما رآه البعض إهانة للمرأة ودليلاً على سوء أخلاق المجتمع بعد الثورة.. ورغم اختلاف الشعب مع سياسة الرئيس المعزول محمد مرسى، ورفضهم لسياساته وقتها، فإنهم رفضوا أيضاً خروج مظاهرة من الحركة نفسها نثرت «البرسيم» أمام منزله.
«هناك انهيار فى جميع المؤسسات تسبب فى ظهور معظم الأمراض التى يعانى منها المجتمع على السطح ليراها الجميع بوضوح وعلى رأسها التحرش»، كلمات الدكتورة عزة كامل مؤسس مبادرة «شفت تحرش»، فالتحرش زاد خلال فترة الخمس سنوات الأخيرة، ولكن ليس بسبب الثورة، فالثورة هى التى كشفته: «من خلال التجمعات والمظاهرات والاحتجاجات التى انتشرت فى الميادين، انكشفت مرض التحرش، وصاحب ذلك جرأة مجتمعية من جانب الفتيات فى الإعلان عنه فى مختلف وسائل الإعلام دون خوف أو قلق».
ظهور الجمعيات والمبادرات أيضاً التى تعمل على مكافحة التحرش جعل الأمر يصبح حديث المجتمع: «فى النهاية لولا ثورة 25 يناير لم يكن بمقدور الناس أن يعرفوا أى شىء عن مرض التحرش، الذى يمثل أحد أعراض انهيار مختلف المؤسسات بمصر وانهيار قيمتها».
«عقد الأخلاق انفرط، وثورة 25 يناير كانت محاولة لكشف عيوب المجتمع على حقيقتها»، بهذه العبارة وصفت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق، الحالة التى بات عليها المجتمع، لافتة إلى أنه دائماً ما تُخلف الثورات حالات من الفوضى الأخلاقية بالمجتمعات، مؤكدة أن الثورة الفرنسية خير مثال على ذلك، وأن «25 يناير» كشفت الحجاب عن مشكلات كانت فى باطن المجتمع، لم نكن نسمع عنها من قبل.
«زكريا» تشير إلى أن العنف الذى يُمارس ضد المرأة، وتحدث البعض بألفاظ نابية، ما هو إلا نتاج خطاب دينى متشدد: «اختفاء الطبقة الوسطى كان سبباً رئيسياً فى غياب الأخلاق الحميدة من المجتمع»، كذلك تطالب «هدى» كل مؤسسات الدولة بالتكاتف حتى تعود الأخلاق: «يعنى المؤسسة التعليمية مثلاً لازم تتعامل بنوع من العسكرة والشدة والصرامة فى عقاب المدرس والطالب، ووقتها هترجع الأخلاق زى الأول وأحسن». الدكتور يسرى عبدالمحسن، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، يقول إن «كل الثورات تعقبها حالة من الإحساس بقيمة الوطن والمواطنة، وهذا ينعكس على سلوك الأفراد مع بعضهم البعض، لكن فى مصر خرجت عن المألوف وظهر فيها حالة من الانفلات الأخلاقى بين المواطنين، تجسّدت فى العنف والتحرش والتراشق بالألفاظ النابية، لأن المواطن يعانى من حالة تخبط ثورى ولا يقدر من خلالها على وزن الأمور، ما جعله بالضرورة يفتقد قيمة القدوة والأخلاق».