# 25_ خساير _ الاستقطاب
# 25_ خساير _ الاستقطاب
شباب رأوا فى التغيير حلماً.. فداس جثتهم الإخوان لتسلق السلطة
تراشق بالاتهامات وبالحجارة، اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين، وصلت للقتل والإصابات نتيجة شرارة الانقسامات والتفكك.. هذه بعض المشاهد التى عكّرت حياة المصريين على مدار 5 سنوات، بعد ثورة 25 يناير، تسربت لكل جهة عمل وداخل البيوت، وبين الأصدقاء.. حالة استقطاب عامة شاعت بين المصريين، وانقسامات حادة بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية على كل صعيد.
الشارع السياسى أصبح «100 حتة».. والأسرة «بطن واحدة وتوأمين.. شين وزين».. والمجتمع يرفع شعار: «مفيش صاحب بيتصاحب».. و«بدر الدين»: سقف التوقعات كان عالياً جداً
نبدأ بالاستقطاب السياسى، الذى اعتبر سياسيون أن الإخوان وحلفاءهم كانوا أبرز أسبابه بعد ثورة 25 يناير. السياسيون قالوا، لـ«الوطن»، إن «الاستعلاء السياسى» لتلك الجماعات أدّى إلى رفض الشعب لحكم الإخوان، واندلاع ثورة 30 يونيو، بعد عامين فقط من ثورة يناير، بالإضافة إلى ارتفاع سقف توقُّعات المصريين والأزمات الاقتصادية، ما زاد من رقعة الاستقطاب.
الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، يقول «إن مصر شهدت بعد ثورة 25 يناير حالة من الزخم السياسى الكبير، لظهور كثير من القوى السياسية فى الشارع السياسى، لكن العملية السياسية لم تكُن واضحة المعالم، فالقوى السياسية شاركت من خلال أحزاب كان لها آراء مرتبكة، فحدثت حالة من الضبابية، فلم يكُن للعمل السياسى ضوابط، بل غاب التوافق الجمعى وغابت الخريطة السياسية ولم يكُن هناك أولويات».
يضيف «فهمى»: كان لبعض التيارات محاولات للاستئثار بالمشهد السياسى، واستبعاد لبعض القوى السياسية، وحدث استعلاء سياسى أدّى إلى حدوث ثورة 30 يونيو والتخلص من حكم الإخوان، فالقوى الفاعلة فى إدارة الدولة لم تستطِع توجيه الدفة، لقلة الخبرة فى إدارة البلاد، فأنهكوا العملية السياسية.. فيما ترى الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشى أن الشعب رفض الإخوان بعد «25 يناير» بسبب تضليلهم، رافعين شعار «إنهم بتوع ربنا»، بل هم جماعات إرهابية، والشعب المصرى خرج عليهم بسبب تصرفاتهم الإجرامية والإرهابية.
وتضيف «الشوباشى»: «30 يونيو كشفت المعدن المزيف وخطة الإجرام الإخوانية، فتلك التيارات الظلامية أدّت إلى استقطاب شعبى ضدّهم، فتلك الجماعات تقوم بالقتل والعنف باسم الدين، فهناك مؤامرة ضد الدين والدولة والعرب».
الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن تدخلات كثيرة حدثت فى المشهد السياسى، بعد 25 يناير، أدّت إلى حالة الاستقطاب، أبرزها من عناصر الإخوان، وهى التى سمّمَت المشهد السياسى فى مصر، وأوجدت فكرة الاستقطاب الفردى، وهى التى رسّخت الفكرة من خلال مبادئها القائمة على التمكين، والتى تهدف إلى تغيير معالم الدولة ككل، مضيفاً: «كانت مجموعات من الشباب بحاجة إلى قدوة لهم».
ويوضح أن تصرُّفات الإخوان انعكست على الشباب وشعروا بأن الثورة خُطفت منهم، وتم اتهامهم بالعديد من الاتهامات، وأثير حولهم علامات استفهام، مثل اتهام بعضهم بالعمالة والخيانة، بالإضافة إلى وجود بعض العناصر الشبابية التى ارتبطت بالخارج، وكانت تعبِّر عن أجندات معيَّنة، وكانت تعانى الكراهية بدرجة كبيرة، إلى أن حدثت 30 يونيو والثورة الشعبية التى خرجت بمساندة القوات المسلحة لكى تحاول استعادة اللُّحمة الوطنية مرة ثانية، ولاسترداد الشباب لمجتمعهم.
ويرى «سلامة» أن الشباب هم أكثر الفئات الواقعة تحت تأثير الاستقطاب، ويقول: «من الضرورى أن يصدر الرئيس عفواً رئاسيّاً عن الشباب الذين لم يقعوا تحت طائلة القانون، ولم يرتكبوا أى أعمال عنف فى الشارع المصرى، ومحاولة توفير حد أدنى من الحياة الكريمة للشباب سواء الاقتصادية أو الاجتماعية»، مؤكداً أن للشباب مطالب مجتمعية حقيقية يجب الاستجابة لها بشكل عاجل لكى نزيل حالات الاحتقان لديهم نهائيّاً.
ويؤكد الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن الثورة كانت القِبلة التى يجب الاستقطاب حولها، فالإخوان والقوى المتأسلمة كانوا سبب هذا الاستقطاب، فتسلقوا على الثورة، ولم يبالوا بمن فجرها، فهم أول حالة استقطابية وُجدت فى مصر، وأرى أن المجلس العسكرى سعى لتفكيك عناصر الثورة، وحدث الاستقطاب مرة أخرى فى 21 نوفمبر، وهو تاريخ الإعلان الدستورى لجماعة الإخوان، فولّد حالة من الاستقطاب بين المتأسلمين والقوى المدنية بكل طوائفها، فكان بداية لتفكيك الطرف الإرهابى.
ويضيف «زهران»: «أسباب الاستقطاب كانت سعى الإخوان للانفراد بالحكم وتجاهل القوى الأخرى، فكانت تريد الإطاحة بالثورة تماماً ولا تسعى لإشراك القوى المدنية فى الحكم، وتنفيذ الإخوان المشروع الأمريكى فى المنطقة، الذى كان يشمل تقسيم الدول العربية».
أما الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فيرى أن حالة الاستقطاب التى تمت فى تلك الفترة جاءت لعدة أسباب، أهمها أن سقف التوقعات لدى الشعب المصرى عقب ثورة 25 يناير كان عالياً جدّاً، ليس فقط على النظام السياسى لكن على النظام الاقتصادى، وساعد فى ذلك الحديثُ الذى أثير حول عودة الأموال المهرَّبة فى الخارج واسترداد أموال مبارك، علاوة على عدم وجود رؤية واضحة لدى السياسيين والنخبة حول إدارة العملية الانتقالية.
ويرى «بدر الدين» أن الأزمة الاقتصادية ما زالت تمثِّل قوة ضاغطة على الدولة، بالإضافة إلى دور العالم الخارجى، فهناك مجموعات كانت مؤيدة للإخوان ومجموعات أخرى ضدها ومؤيدة للنظام، ومجموعات حاولت أن تعبث بالأمن القومى لمصر، وعلى رأسها بعض الدول التى أعلنت أنها وراء تمويل سد النهضة.
انعكس الاستقطاب السياسى على الاجتماعى، فقبل 25 يناير 2011، لم تعرف الصداقات الخلافات بهذه الصورة الفجة، الفرحة بالخلاص كانت سيدة المشهد، ما زال يتذكر محمد مجدى (29 عاماً)، الزغاريد التى أُطلقت من معظم الشرفات المجاورة لمنزله فى منطقة الدقى بعد رحيل «حسنى مبارك» عن الحكم.
وقتها قرر «محمد» أن ينزل لصديق العمر -حسب وصفه- ليحتفل معه بزوال نظام الرئيس الأسبق «مبارك». مرت الأيام ببطء على الصديقين، ومضى كل منهما فى طريق عقب الثورة وما تلاها من أحداث، ذهبت فرحة الاتفاق وبدأت نيران الخلاف تشتعل حتى انتهت علاقة الصداقة دون رجعة.. يقول «محمد»: «كنا أيام الثورة فى الميدان، وكنت زى غيرى كتير فاكرينها ثورة حقيقية، ومكنتش بفارق صاحبى (على) أبداً، لأننا عِشرة سنين وأفكارنا تقريباً كانت واحدة طول عمرنا، لحد ما اتخلع (مبارك) ونظامه، ولقيت أفكاره اتغيرت وبقى شخص تانى، طول الوقت يعارضنى الرأى لدرجة إنها كانت بتوصل لخسارة العلاقة.
شهور قليلة بعد ثورة يناير، كانت كفيلة أن تجعل «محمد» يعيد النظر فى صديقه الذى كان يراه «أخاً» ليتحول بعد وصول «محمد مرسى» وجماعة الإخوان «الإرهابية» إلى قصر الرئاسة فى 2012، إلى شخص آخر فى نظره: «فجأة لقيتهم مع حكمهم ونظامهم، وكان أول واحد بيدعمهم ونزل انتخب (مرسى) أيام انتخابات الرئاسة، وفضلنا فترة فى مشادات وخناقات مع بعض، عشان (على) كان عنده إصرار إنى أقتنع بأفكاره اللى اتحولت فجأة، وأنا كان عندى إصرار على موقفى إن الإخوان إرهابيين ولو مسكوا البلد هيبيعوها»، كذلك يضيف: «اختلفنا فجأة على كل حاجة فى أفكارنا، واكتشفت بعد كده إن ثورة يناير كان أساسها الإخوان اللى ولّعوا البلد عشان هما اللى يمسكوها، وكانوا حاطين الشباب اللى كنت واحد منهم قدام المدفع عشان يطلعوا علينا، و(على) اقتنع بأفكارهم ومشى فى سكتهم وحاولت أرجّعه عن الطريق اللى مشى فيه، بس هو اختار إنه يتخلى عن صداقتنا».
تحولت الصداقة بين «محمد» و«على» إلى عداوة، لا يتهاون الأول مع أفكار الثانى التى أصبحت متطرفة -على حد قوله- فارتباطه بصديق عمره لا يساوى حبه لبلده الذى يتفوق بأضعاف: «مصر أم الدنيا وهتفضل قد الدنيا، واختيارى للرئيس عبدالفتاح السيسى كان فى محلّه، ومن يوم فض اعتصام رابعة العدوية انتهت علاقتى بصديقى تماماً، لو كنت بسأل عنه كل شهر مرة، انقطعت تماماً، لأنى لقيت حبه للبلد مبقاش موجود زى الأول، وكل همه (مرسى) يرجع الحكم بعد ما اتعزل».
«محمد» أكد أن قرار الانفصال كان بإرادته الشخصية، بعد محاولات عديدة من صديقه لضمه للجماعة: «فى الأول القرار كان صعب عليّا لأننا أصدقاء من الطفولة، ومش سهل إن الِعشرة تهون فجأة، بس بلدى فوق أى حد، وميول صديقى غير المبررة للإخوان، اللى خربوا وباعوا البلد هو سبب قرارى بالانفصال عن (على) دون رجعة».
تحت سقف واحد، تعيش الأسرة بأكملها، يجمعهم دم واحد، وأفكار مختلفة وفق اعتقادهم الشخصى، بعد ثورة يناير، التى حولت المنزل الصغير بالمعادى إلى مصر كبيرة، غارقاً فى تفاصيلها وشعاراتها بين أيمن «السيساوى» واقتناعه بثورة 30 يونيو، والأخ الأكبر «سعيد» الذى يرى أن 25 يناير هى الثورة الحقيقية، التى ينظر لها من وجهة نظره ويسميها «ثورة الشهداء».
قصة يومية لا تنتهى، فور أن قرر «أيمن» الانحياز واختيار «السيسى» رئيساً لمصر، وأصرّ على المشاركة فى كل الوقفات والمسيرات التى نُظمت من أجل دفعه لإعلان موقفه من الترشح للرئاسة حين كان مشيراً بالقوات المسلحة، لم يهتم كثيراً بمحاولات أخيه الأكبر لإثنائه عن المشاركة، تارة بمذاكرته وامتحاناته الجامعية، وتارة أخرى بكلمات وصور على صفحته الشخصية على «فيس بوك» يهاجم فيها «السيسى» ومؤيديه.. يقول «أيمن»: «أخويا (سعيد) عنده مشكلة كبيرة معايا لأننا مختلفين سياسياً، وشايف ثورة 30 يونيو مش ثورة، ومش معترف إلا بثورة يناير اللى هى أصلاً مش ثورة، وكل مشاكله معايا إنه عايز يقنعنى بحاجة مش صح، بيدى فيها حق ودور لثورة يناير مش صحيحة، لأن كل الناس عارفة إنها ثورة الإخوان اللى لعبوا فيها على الشباب اللى فى سنى».
لا يهتم الطالب العشرينى بأفكار شقيقه الأكبر، الذى يعتقد أنه اطمأن على مستقبل مصر بعد انتخابات 2012، لكن الشهور القليلة بعدها أثبتت لـ«أيمن» عكس ما يراه شقيقه، قبل عام من اليوم، فقرر «أيمن» أن يكون من بين «عاصرى الليمون» كى لا يعود نظام «مبارك» للحكم مرة أخرى، واليوم يبدو أن المشهد ذاته يتكرر، يقول: «أهم نقطة خلاف بينى وبين أخويا فى الرئيس السيسى هم الفلول وأعضاء الحزب الوطنى من الفاسدين اللى بيأيدوه، ده غير إنه مش مقتنع بثورة 30 يونيو لأنه معتقد إن كل اللى فيها فلول وتبع نظام مبارك، ومش شايف الإنجازات اللى السيسى بيعملها من يوم ما بقى رئيس، ده غير شقيقى اللى من أبويا، لحد دلوقتى بيحب حمدين صباحى وفى اتجاه ثالث خالص، لا حابب ثورة يناير ولا يونيو ولا مقتنع بنفسه، بس هو مش عايش معانا فى نفس البيت، لكن فى النهاية اخوات».
الدكتور عمرو مرعى، أستاذ علوم سياسية بجامعة القاهرة، يؤكد أن المصريين أصيبوا بحالة استقطاب عامة بعد ثورة 25 يناير، وأن حالة الانقسام والتفكك التى تسربت بين المصريين وصلت إلى البيوت وبين العائلات: «حالة الاستقطاب السياسى تزيد يوماً بعد يوم منذ ثورة يناير، ووصل الحال لمشاهد عديدة من الاشتباكات بين المؤيد والمعارض، لمجرد الاختلاف سياساً، وهذا الاستقطاب من السلبيات التى زادت ويعانى منها المصريون منذ 25 يناير 2011»، كذلك يوضح أن «حالة الانقسام والاستقطاب لم تنته بعد، لأنها أصبحت عادة المصريين دون تقبل لأفكار الطرف الآخر».
«الإرهابية».. دفعت بشباب فى الاشتباكات.. لتحقق قياداتها مكاسب على دمائهم