السفير محمد رفاعة الطهطاوى، حفيد رائد التنوير المصرى وواضع لبنات صرح الفكر الليبرالى فى الدولة الحديثة ومسئول ديوان الرئيس، شهدناه فى بداية الثورة يخرج مع الحشود محطماً كل قواعد البروتوكول الدبلوماسى الذى رسخ فى أذهاننا صورة الدبلوماسى الذى يرغب دائماً فى الأمان والبعد عن وجع الدماغ والأزمات، وكان تلميذاً مخلصاً من ضمن كوكبة تنتمى إلى مدرسة وزارة الخارجية التى طالما أهدت للوطن متمردين على السلطة حتى فى أحلك لحظات الديكتاتورية، وما تاريخ إسماعيل فهمى وإبراهيم كامل ببعيد حين رفضا خطوات السادات مع إسرائيل، ولكنى فى الفترة الأخيرة مصدوم من تصريحات السفير الطهطاوى التى تقع دائماً فى خانة التبرير الدائم لتصرفات الرئيس وقراراته التى أصبح القاصى والدانى ينتقد صفة التردد التى تحكم اتخاذه لها، آخر هذه التصريحات هو تصريحه بأن الرئيس اتصل به ليلاً وهو منزعج للاطمئنان على أن قرارات رفع الأسعار الأخيرة قد دُرست بعناية!، وبالطبع كان هذا التصريح بعد إصدار القرار وبعد رفع التجار فعلاً للأسعار واستغلالهم لإذاعته فى وسائل الإعلام، وأنا مصدق طبعاً للواقعة ولا أكذبها ولكنى غير مصدق للتبرير الذى عرضه سيادة السفير بأن هذا الحوار مصدر قوة للرئيس!، وأن قراراً كهذا لم يكن يعلمه الرئيس وفوجئ به!، إنه شىء من اثنين لا ثالث لهما، الأول أن مثل هذه القرارات المصيرية فى لحظة حساسة كهذه بعيدة عن الرئيس، وهذا فى حد ذاته كارثة تنم عن تفكك مفاصل الدولة وعدم وجود هارمونى ما بين مجلس الوزراء ومؤسسة الرئاسة وهذه الكارثة مسئول عنها الاثنان المجلس والرئاسة، الثانى أن الرئيس يعلم جيداً ثم يتحدث ليبدى انزعاجه من شىء قرأه بعناية وأصدر أمره فيه وكان يعرف تمام المعرفة أن شروط قرض صندوق النقد تفرضه علينا، ويعرف تمام المعرفة أن القرار سيصدر بعد الاستفتاء رغماً عن أنف كل أفراد الشعب!، إذا كان الأول، وهو الجهل بالموضوع، صحيحاً فهذه كارثة وإن كان الثانى وهو العلم التام بالموضوع والمشاركة فى وضعه فالكارثة أعظم وأفدح، وسؤال بسيط إلى سيادة السفير حفيد رائد التنوير: هل لم يسألك الرئيس نفس السؤال عن دراسة القرار جيداً قبل رفع أسعار البنزين؟، قبل رفع أسعار الكهرباء؟، قبل رفع أسعار الغاز؟، قبل تعيين إخوانجى نائب وزير بترول وإخوانجى نائب وزير كهرباء.. إلخ، هل سأل سيادة الرئيس عن العناية والتفحص والتمحص؟، كل هذه أسئلة أرجو من السفير حفيد رائد التنوير أن يجيب عنها حتى لا يُتهم بالتبرير.
هذا التصريح الصادم لم يكن أول التصريحات، بل سبقته تصريحات أخرى أهمها تصريحه للسى إن إن الذى قال فيه: «من غير الممكن تأجيل الاستفتاء على الدستور الجديد فأغلبية الشارع المصرى تؤيد الدستور»، وقال أيضاً: اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن من يمكن وصفهم بـ«الأقلية» فى مصر يسعون إلى عرقلة وإفشال الأغلبية التى تتمثل فى المواطنين الفقراء الذين يؤيدون الرئيس والدستور، لافتاً فى الوقت ذاته إلى وجود أغلبية أخرى داخل من يمكن وصفهم بـ«النخبة وهؤلاء هم من يعارضون الدستور». وقال أيضاً: «المعارضون ما هم إلا أقلية ضئيلة إلا أنهم فى الوقت ذاته يتمتعون بالقوة ولا يمكن السماح لأقلية صارخة مهما كان قدر الغضب لديها، بإعاقة مسيرة الديمقراطية».
للأسف يا سيادة السفير ورئيس الديوان، نفس نغمة الأقلية الضئيلة الصارخة المندسة التى تعيق مسيرة الديمقراطية التى تكررت فى كل العصور وكانت الفزاعة التى استخدمتها كل النظم الديكتاتورية، وأربأ بك أن تكررها بنفس مصطلحاتها، وأذكّرك أن من ضمن هذه الأقلية الضئيلة «الوحشة» المعوقة مستشارين كانوا فى قصر الرئاسة معك، بل أستطيع أن أقول إن 99% من ضمن هذا الفريق الاستشارى الذى استقال كانوا من ضمن الأقلية الصارخة المعوقة!، والغريب أن المستشار طارق البشرى الذى ساهم بعد ثورة يناير فى صياغة التعديلات الدستورية اعترض على الدستور فى مقال شهير له بجريدة الشروق ووصف منهجه بأنه غير حميد، ويا ليتك تجيب يا رئيس الديوان، هل البشرى أيضاً أقلية صاخبة مندسة أم أنه من الفلول؟!.