طرحت السبت الماضى، فى محاولة لبناء توافق وطنى حقيقى قبل جولة الحسم الرئاسية يحول دون إعادة إنتاج النظام القديم ودون هيمنة فصيل واحد على المؤسسات التشريعية والتنفيذية، أن ينسحب محمد مرسى قبل أن تعلَن النتائج النهائية للجولة الأولى ويفتح بذلك الباب لمنافسة بين أحمد شفيق وحمدين صباحى. وكان رأيى، وما زال، أن صباحى كممثل للثورة والديمقراطية والدولة المدنية من خارج معسكر الإسلام السياسى وبتأييد من هذا المعسكر قادر على توحيد العدد الأكبر ممن صوَّتوا له ولأبو الفتوح ولمرسى وحسم الإعادة لصالحه ومنع القديم الذى يتهددنا بعسكريته واستبداده.
وكنت قبل طرح مقترحى قد تواصلت مع عدد من القانونيين الذين أكدوا جواز هذا، وأن المنافسة ستكون بعد انسحاب المرشح الذى حل فى المرتبة الأولى بين المرشحين التاليين له فى الترتيب، أى شفيق وصباحى. فى المقابل، أكد قانونيون آخرون أن انسحاب مرسى لن يعنى دخول صباحى السباق مع شفيق، بل سيعنى فوز الأخير بالرئاسة طالما حصل على أكثر من ٥٠ بالمائة من الأصوات المشاركة فى جولة الإعادة، وأن استمارة التصويت ستحوى اسم مرسى فى جميع الأحوال.
رفض حزب الحرية والعدالة المقترح سياسيا ووظف أيضاً (وهو أمر مشروع) الشكوك المثارة حول قانونيته. طرح الإخوان كبديل التفاوض مع القوى الوطنية المختلفة لضمان تأييدها انتخابيا لمرسى وعرضوا شراكة حول الجمعية التأسيسية للدستور ونص الدستور وشراكة فى مؤسسة الرئاسة وفى الحكومة بصيغة الحكومة الائتلافية الواسعة. ولا شك فى أن هذا الرفض من حق الإخوان ودفعهم بأن مرشحهم حصل على المركز الأول ولا يوجد، سياسيا، ما يجبره على الانسحاب والتنازل مفهوم.
إلا أنهم يتجاهلون حقيقة أن الحسبة الانتخابية فى جولة الإعادة صعبة للغاية وأنهم عانوا تصويتا احتجاجيا واسعا ضدهم وكونهم يحتاجون لدعم من صوت لصباحى وأبوالفتوح، وبالتأكيد ليس فقط التيارات السلفية، للفوز فى الانتخابات. يتجاهلون أيضاً حقيقة أن مصداقية الجماعة والحزب بين القوى الوطنية تراجعت كثيرا بعد ممارسات العام ونصف العام الماضية، من تديين (من دين) التصويت فى استفتاء التعديلات الدستورية والصمت على انتهاكات حقوق الإنسان والمواءمة مع المجلس العسكرى وإدارة مسألة الجمعية التأسيسية والدفع بمرشح فى الانتخابات الرئاسية. مناصرو الثورة وأحلامها الديمقراطية والمدنية لا يريدون دولة يهيمن عليها فصيل واحد، تماماً كما يرفضون عودة الماضى وتجديد دماء الديكتاتورية العسكرية. وليس حديث الشراكة العام من قبل الإخوان بكافٍ ولن يقنع أغلب من صوت لصباحى وأبوالفتوح بالموافقة على مرسى.
تمنيت أن يفكر الإخوان فى مصير الوطن قبل أن يدفعوا بمرشح للانتخابات الرئاسية، وتمنيت (وقانونية المقترح محل شك) أن يدرسوا انسحاب محمد مرسى من الإعادة. تمنيت أن يؤثروا مصلحة الوطن وأولوية منع إعادة إنتاج القديم ويوافقوا على صباحى كمرشح توافق وطنى واسع. وبعد الرفض يتوقف الذهن قليلا وسيعاود البحث سريعا عن مخارج تحول دون عودة القديم الذى يتهددنا ودون هيمنة فصيل واحد على مفاصل الدولة والمجتمع.