من ثوابت المشهد السياسى إطلالة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على المصريين لحسم جدل أو خلاف على قضية مزعجة مثيرة للدهشة وغير منطقية، وكأن من مهام السيد الرئيس متابعة أداء الحكومة وهيئاتها ليس لتقييمها والتيقن من تنفيذ ما هى مكلفة به، وإنما لتصحيح أخطاء غير مفهومة وغير مبررة.
المشهد المصرى مرتبك؟ نعم مرتبك.. ولا تحكمه قواعد ثابتة ومستقرة، قدر ما تحكمه إرادات متناثرة غير متوافقة تتحرك كل إرادة فيه ناحية مختلفة عن الأخرى لتبدو السيارة والجميع يدفعون بها من كل الاتجاهات فى وقت واحد فلا تتحرك من مكانها رغم كل الجهود المبذولة.
اعتادت الدولة المصرية أن يحكمها عقل مركزى، فبدت مرتبكة مشوشة، وهى تتحرك بعقول عديدة فاقدة للقدرة على التنسيق والتخطيط الجماعى، فسقطت فى أزمات هى فى غنى عنها.
أغلب أعضاء الحكومة يعانون من نفس حالة التشتت، لا يحكمها عقل جماعى، لا تخضع لتخطيط أو سياسات مرسومة ومخططة من داخل المؤسسة يؤمن بها أعضاء الحكومة ويفهمون جيداً أفضل وسائل التنفيذ لتحقيق أفضل النتائج، وهى لا تملك منهجاً ولا أداء سياسياً إنما أداءً وظيفياً بيروقراطياً.
ما زال الرئيس يغرد منفرداً مهموماً بقدرة الوزراء على تنفيذ برامج التنمية، لذا لا يمر يوم دون اجتماع مع وزيرين هنا أو ثلاثة هناك لمتابعة الأداء وتنفيذ المهام المكلف بها أعضاء الحكومة، وهو اهتمام مشكور من السيد الرئيس لكنه يظهر أيضاً مدى ضعف الأداء الحكومى وعدم قدرة الحكومة على المشاركة فى رسم السياسات وتنفيذها.
البادى أن منح جل الاهتمام للأزمة الاقتصادية وحدها -وهى بالغة الخطورة- ليس كافياً فى ظل تراجع دوائر المشاركة الشعبية والإصرار على اقتصار الأمر على هيئات الدولة ومؤسساتها، لذلك أصبح مطلوباً مساحة من الضمانات لتحقيق التوازن الدقيق بين الأمن والحريات، والتفرقة بين الإرهاب وبين المعارضة، وشغل مساحة خالية بين الدولة والمجتمع المدنى بنقاباته وأحزابه ومنظماته بقدر يتيح إضافة خطوة سياسية للأمام بعد النجاح فى استعادة البرلمان.
صناعة الأزمات سمة التضارب والارتباك، وتحويل الأزمات إلى نقاط توافق وانطلاق من مظاهر الدول الناهضة، فى مصر العديد من الملفات الجاهزة لإثارة أزمات أو لتحقيق انطلاقات، والتحول لهذا الاتجاه أو ذاك يتوقف على إرادة الاختيار.
لا يمكن إنكار نجاحات عديدة تحققت، من أهمها على الإطلاق إنقاذ الدولة المصرية التى كادت تتهاوى بحكم المتهورين البائسين أو المتآمرين الفاشيين، ومن أهمها أيضاً الهروب بوطن ضخم فى حجم مصر من مصير مظلم جراء استنزاف موارده لأربع سنوات دون إضافات جديدة تتيح له تلبية الاحتياجات المتزايدة، ومن أهمها كذلك إنقاذ نسيجه الوطنى من التمزق بفعل مؤامرات الطائفية والعنصرية، ومحاصرة مخاطر الإرهاب التى تتهدده ليل نهار من كل صوب وحدب.
لكن أيضاً مصر أكبر بكثير من «خناقة» مع شاب أو مع باحث سياسى أو شوية مشجعى كرة قدم، بل مصر أكبر بكثير من خناقة على قانون للإعلام أو للموظفين أو بين أطباء وأمناء شرطة، مصر ليست فى مواجهة بين أبنائها، بل يجب ألا تكون فى مواجهة بين أبنائها، مصر ما زالت فى مواجهة مع العصاة، وهناك الكثير لننجزه بإعلان مواقف أو تطوير تشريعات أو تبنى سياسات أو توافق على توجهات.
ما زال أمامنا الكثير والكثير.. متى سنتوقف عن هذا العبث ونعمل معاً لننتج تصوراً جماعياً للمستقبل.