كل إنسان يعيش فى مصر مظلوم، وهو أيضاً ظالم. الأطباء مظلومون، حين اعتدى على اثنين منهم مجموعة من أمناء الشرطة فبعثروا كرامتهم. المشهد كان يستحق التعاطف أمام دولة الأمناء الغشومة، بعد ذلك بـ72 ساعة تداولت وسائل الإعلام خبراً عن قرار الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة والسكان، إيقاف مدير مستشفى طنطا الجامعى، و3 أطباء آخرين -من قسم الرمد- عن العمل، بعد أن حقن أحدهم 7 من مرضى السكر بالمستشفى بمادة ساهم الطبيبان الآخران فى دخولها للمستشفى، ما تسبب فى حدوث مضاعفات وضعف فى الإبصار لهؤلاء المرضى، كما قرر إحالتهم للتحقيق. لقد صرخت سيدة من ضحايا الحقن قائلة: «الدكتور عاملنا كأننا فئران تجارب»!.
ظلم أمناء الشرطة أطباء، وظلم أطباء آخرون مواطنين عاديين لا ذنب لهم ولا جريرة سوى حاجتهم إلى العلاج، فدخلوا مستشفى طنطا مرضى، وخرجوا منه يحملون عاهة فقد البصر! الحالة التى أصفها لك ليست استثنائية فى حياتنا، فكثيرون منا يتبادلون على مدار اليوم الواحد الدورين: دور المظلوم ودور الظالم، وذلك شأن المجتمعات التى تنتشر فى أوساطها ثقافة تلخصها عبارة: «يذيق بعضنا بأس بعض». لو أنك راجعت كتاب الدكتور «مصطفى حجازى» المعنون بـ«سيكولوجية الإنسان المقهور»، فسيزودك بشروح وتفسيرات عديدة لتلك الثنائية التى تحكم حياتنا، ثنائية «الظالم والمظلوم». يشير الكاتب إلى أن القهر هو التعبير النفسى عن حالة التراجع أو التخلف التى تعيشها المجتمعات.
فى المجتمعات المتخلفة يتسلط الأفراد على بعضهم البعض، فيقهر القوى الضعيف، والكبير الصغير، والرجل المرأة، والطفل الطفل الأضعف منه، والطفل الضعيف الذى لا يجد بنى آدم يستطيع قهره يهرع إلى الشارع ليلتقط أول حيوان ضال فيسومه سوء العذاب، ومن لا يجد فى نفسه القدرة على سحق غيره من الكائنات الحية ينطلق إلى المنشآت والممتلكات العامة أو الخاصة فيتلفها، لكى ينفث فيها إحساسه بالقهر. فى كل الأحوال يلجأ أفراد المجتمعات المتراجعة إلى التنفيس عن ظلم الآخرين لهم بظلم غيرهم، فتسوء حياة الجميع، وتتسمم معيشتهم بصورة تفقدهم معنى أى قيمة أخلاقية، بما فيها كرامة الآخرين وصحتهم، وحتى حياتهم! نموذج أطباء المطرية ونموذج «أطباء طنطا» المقابل له يمنحك مؤشراً على حالة خطيرة نعيشها، ليس الأطباء وحدهم هم من وقعوا فى شرَك «الظالم والمظلوم»، الجميع وقع فى هذا الفخ.
نحن نحمل فوق كاهلنا قروناً طويلة من القهر. والقهر آفة إذا تمكنت من مجتمع أفسدت أفراده، إنها سر حالة التردى الأخلاقى الذى نعانى منه فى كل المجالات. النفاق أساسه القهر، الكذب أساسه القهر، التلون أساسه القهر، التناقض أساسه القهر. تستطيع بسهولة أن تجد جذور أى مشكلة أخلاقية فى القهر الذى عشش فى أنحاء حياتنا، حتى أصبح جزءاً منها. هل تذكر ذلك المشهد من فيلم ضد الحكومة الذى صرخ فيه بطل الفيلم قائلاً: «كلنا مجرمون.. وكلنا ضحايا»؟!. رحم الله المخرج المبدع «عاطف الطيب»، فقد كان عميقاً فى فهم نفسية الشعب المصرى، ورصد أمراض السلطة والمجتمع قبل زماننا هذا بزمان!.