«الوطن» ترصد خطة «المركزى» لضبط السوق فى 73 يوماً
البنك المركزى يضع خطة لضبط السوق الفترة المقبلة «صورة أرشيفية»
لم تكن قراراته محض صدفة أو عشوائية إنما جاءت متشابكة مترابطة وفق خطة إصلاح محددة الأهداف: تشجيع المستثمرين، وتوفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وترشيد وتنظيم الاستيراد، وتوفير العملة الصعبة لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطن والاقتصاد، وتحفيز الصناعات المحلية، والضغط على التمويل الاستهلاكى، ودفع البنوك نحو توسيع قاعدة عملائها وتنويع مواردها من العملة الصعبة وزيادتها.
25 إجراءً لدعم الصناعة والسياحة وترشيد الاستيراد وتمويل المشروعات الصغيرة
25 إجراءً، ترصدها «الوطن»، عمل طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى ومعاونوه على اتخاذها خلال فترة 73 يوماً منذ توليه رسمياً منصبه بالبنك المركزى فى نوفمبر الماضى، جاءت فى توقيت يراه البعض مناسباً، فيما يراه آخرون متأخراً، خاصة مع انخفاض موارد الدولة من العملة الصعبة إثر الأزمة التى شهدها قطاع السياحة بعد حادث الطائرة الروسية فى الربع الأخير من العام الماضى.
وفقاً للترتيب الزمنى فإن «عامر» بدأ مهام عمله بإنجاز ملفين مهمين هما جذب سيولة من السوق ورفع القيمة الادخارية للجنيه مقابل الدولار، وإغلاق ملف البضائع المحتجزة فى الموانئ.. وهنا لعب بنكا القطاع العام «الأهلى ومصر» دوراً رئيسياً، استناداً إلى مواردهما الكبيرة من العملة، وحصتهما السوقية التى تتجاوز مستوى الـ40% من السوق المحلية.
بعد الإفراج عن البضائع المحتجزة فى الموانئ، خفّ ضجيج المستوردين، مؤقتاً، وسادت حالة من التفاؤل ترقباً لقرارات جديدة من البنك المركزى تفتح الباب على مصراعيه أمام الاستيراد، إلا أن «عامر» ورجاله كان لهم ترتيب آخر فى هذه المسألة، اتضحت ملامحه بعد ذلك، حيث صبت كل القرارات مجتمعة وبشكل فى غاية التشابك والتعقيد لصالح وضع قيود على فتح البنوك الاعتمادات المستندية لإجراء عمليات الاستيراد، مستثنياً منها السلع الأساسية والاستراتيجية والأدوية والأمصال والمواد الكيماوية المرتبطة بها، ومدخلات الإنتاج والبرمجيات وقطع غيار الآلات والمعدات، وبحسب مراقبين للسوق فإن قرارات المركزى استهدفت ترشيد الاستيراد خاصة فيما يتعلق بالسلع غير الأساسية. بعد أيام من توليه منصبه، قرر «عامر» تأجيل ديون العاملين فى القطاع السياحى لمدة 6 أشهر، نظراً للظروف الصعبة التى يمر بها القطاع، وأتبعه بقرار تغطية الطلبات المعلقة للمستثمرين الأجانب فى المحافظ المالية بقيمة 547٫2 مليون دولار، فيما كانت رسالة لبث الطمأنينة فى قلوب المستثمرين.
كان لقرارات المركزى بإعادة توزيع الدولار على البنوك فى العطاءات الدورية، صدى كبير بين البنوك حيث إن أحداً لم يفهم وقتئذ ماذا يريد «المركزى» من وضع 3 محددات لتوزيع العملة تشمل حجم ونشاط كل بنك فى توفير الدولار وعدد العملاء، إلا أنه يمكن الآن القطع بأنها تصب فى صالح التركيز على الطبقة الأصغر من المشروعات والتفرقة بين البنوك فى المعاملة من حيث النشاط ومدى المساهمة التى يقوم بها كل كيان فى الاقتصاد الوطنى، وقدرته على تنويع مصادره من العملة الأجنبية.
وبعد أيام قليلة أطلق البنك المركزى تعريفات جديدة موحدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة طالما انتظرها الاقتصاد لسنوات طويلة، لكنها لم تقف عند مجرد إطلاق تعريفات، حيث كلف رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى محافظ البنك المركزى بإطلاق مبادرة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمبالغ تصل إلى 200 مليار جنيه خلال 4 سنوات تعمل على توفير 4 ملايين فرصة عمل، وهو ما تبعه بيوم إطلاق مبادرة من المركزى بالفعل وفقاً لتوجيهات الرئيس ألزم فيها البنوك بتخصيص نحو 20% من محافظها الائتمانية لتمويل تلك الشريحة المهمة من المشروعات، وشملت المبادرة محفزات للمبالغ التى سيتم تمويلها للمشروعات الصغيرة والصغيرة جداً بفائدة 5% متناقصة بإعفائها من الاحتياطى الإلزامى.
«المركزى» أحكم خطته مسبقاً لدفع البنوك نحو تمويل تلك المشروعات بجدية، فبخلاف الشروط الإلزامية التى أصدرها فى المبادرة، قام بتضييق الخناق على قروض التجزئة المصرفية الاستهلاكية، وهو ما يوفر للبنوك سيولة يمكن الدفع بها فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة من ناحية وتشجيع المنتج المحلى وتقليص الطلب على السلع المستوردة من ناحية أخرى. وفى سياق موازٍ أقدم البنك الرقيب على إصدار قرارات من شأنها تخفيض الحصص التمويلية للبنوك للشركات الكبيرة وذلك للحفاظ عليها من مخاطر التركز، وإتاحة سيولة أكبر ستدفع البنوك حتماً لاستغلالها فى تمويل المشروعات الصغيرة. فى ذلك التوقيت صدرت قرارات المركزى تباعاً خلال الفترة من نوفمبر وحتى قبل أيام قليلة، استهدفت جميعاً ترشيد الاستيراد وفتح الباب أمام الواردات الأساسية ومدخلات الإنتاج، حيث تضمنت تلك الحزمة المتشابكة قرارات ألزم فيها البنوك بالحصول على تأمين نقدى بنسبة ١٠٠% على عمليات الاستيراد بدلاً من 50% على السلع التجارية، وزيادة الحد الأقصى للإيداع النقدى بالعملات الأجنبية إلى 250 ألف دولار لتغطية العمليات الاستيرادية للسلع الغذائية الأساسية والتموينية وآلات ومعدات الإنتاج وقطع الغيار والسلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج والخامات والأدوية والأمصال والكيماويات الخاصة بها، فيما قرر استمرار العمل بالتعليمات المتعلقة بوضع حد أقصى للإيداع النقدى بالعملات الأجنبية بواقع ١٠ آلاف دولار يومياً وبحد أقصى ٥٠ ألفاً شهرياً للأفراد الطبيعيين والأشخاص الاعتبارية الأخرى. وقبل يومين قرر «عامر»، فى زيارة سريعة لـ«مدينة السلام» (شرم الشيخ)، بصحبته نائبه جمال نجم، النظر فى المشكلات التى تواجه القطاع السياحى من خلال وحدة لإعادة هيكلة الشركات المتعثرة لحل مشكلات السياحة بالتعاون مع البنوك العاملة فى السوق المحلية، فضلاً عن إطلاق مبادرة للسياحة بتأجيل ديونها لمدة 3 سنوات وفقاً لحالة كل عميل على حدة.
اللافت للانتباه أن قرارات البنك المركزى خلال تلك الفترة الوجيزة لاقت إعجاب مسئولين فى صندوق النقد والبنك الدوليين، ومؤسسات تمويلية أخرى، بخلاف مؤسسات التصنيف الائتمانى مثل «موديز» التى قالت إنها تستهدف الحفاظ على سلامة البنوك المحلية وتدعم نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحد من تمويل السلع الاستهلاكية.
وتبقى مشكلة توافر النقد الأجنبى فى السوق المحلية قائمة حتى زيادة موارد الاقتصاد من العملة الصعبة وترشيد الاستيراد.