تمر معظم محلات الملابس بكساد شديد.. والغريب أن أسعار الملابس والأغطية والبطاطين فى ارتفاع مطرد رغم الكساد.. وقد سألت أحد التجار عن سر الكساد الذى أصابهم قال: هل تتصور أن ثمن البطانية التى نستوردها من الصين حتى مصر تتكلف 190 جنيهاً فى حين أن رسوم إدخالها إلى مصر تتكلف 270 جنيهاً، أى أن رسوم إدخالها إلى مصر توازى ضعف ثمنها فى بلادها.. أليست هذه الرسوم المبالغ فيها ستؤدى إلى غلق كثير من المحلات الصغرى وزيادة حالة الكساد والغلاء وانكماش التجارة أم ماذا؟.
مهندس شاب تخرج من كلية الهندسة لم يجد عملاً فى القطاع الحكومى أو الخاص، اعتمد على نفسه وافتتح محلاً صغيراً لإصلاح أجهزة الكمبيوتر.. ولأمانته ودقته قصده الكثيرون لإصلاح أجهزتهم.. توسع كثيراً فتعاقد على صيانة أجهزة المدارس الخاصة والمستشفيات والشركات والمؤسسات.. بدأ فى استيراد أجهزة الكمبيوتر وقطع غياراتها.. كلما توسع عمله أضاف إلى شركته شباباً جديداً للعمل معه ليخصم من رصيد البطالة المصرية.
بعد ثورة 30 يونيو بفترة صدر قرار إدارى ملزم بفحص كل الأجهزة أو المعدات أو الكيماويات المستوردة من الخارج من قبل الأجهزة الأمنية المختصة.. رحب مع غيره من الشركات والمؤسسات وشركات الصناعة والدواء بالقرار، فالدقة مطلوبة والأمن فوق العين والرأس.. كان يتصور كغيره أن فحص المعدات سيتم مباشرة فى يوم دخول الأجهزة.. كما ظن مديرو الشركات والمصانع أن المعدات والمواد الكيماوية التى سيستوردونها ستدخل مباشرة للفحص ثم الإفراج الجمركى.. وإذا بكل شحنة تتأخر فى الميناء عدة أشهر.. وإذا بالميناء يطلب «أرضية» هذه الأشهر من المستوردين دون أن يكون لهم ذنب فى التأخير، مما أضر بالسلعة والشركة والمستورد والعملاء.
كل هذه الخسائر جعلت المهندس الشاب يعيد الشحنة التى طلبها من الصين مرة أخرى بعد وصولها إلى الميناء فى مصر متحملاً خسائر كثيرة رأى أنها أهون بكثير من ترك الشحنة لأشهر على رصيف الميناء.
أغلق شركته الصغيرة وسرح عمالها الذين أبكاهم طردهم من عملهم فى زمن بطالة غير مسبوقة تضرب شباب مصر.
فكر المهندس الشاب أن يفتتح مطعماً راقياً فى نفس مكان شركته السابقة.. جهز كل شىء ذهب لإنهاء الإجراءات فوجئ أنه مضطر لأن يدفع مع كل إجراء رشوة فضلاً عن الواسطة التى أصبحت لا تفيد وحدها.. فموافقة المحافظة والصحة والدفاع المدنى والحى تحتاج لـ«الدفع فى الدرج».. مع تعقيدات لا نهاية لها.. وإلى الآن لم يستطع المهندس افتتاح مشروعه الجديد.
المهندس الشاب يصيبه اليأس والإحباط أحياناً ويحدوه الأمل والرجاء أحياناً.. يسمع تصريحات المسئولين فيحلق بالأمل فى السماء ثم يعود إلى واقعه فيفكر فى ترك مصر.. ولكن إلى أين؟ وكيف يترك أسرته وأولاده؟ وكل البلاد حوله إما كساد وإما إلى تدهور اقتصادى وأمنى وصراعات لا نهاية لها؟ ما زال المهندس الشاب ينتظر فرج الله ورحمة الحكومة ليعمل مشروعه الجديد.
فى مصر لدينا عبقرى اسمه د. محمود عمارة، الذى أعتبره بنكاً متحركاً لأفكار الإصلاح الاقتصادى والاستثمارى والزراعى.. والرجل طرح مئات الأفكار الجادة والعملية.. فخبرته العملية والعلمية فى هذه المجالات ونجاحاته فى الاستثمار فى الغرب تؤهله لذلك وهو لا يريد جزاءً ولا شكوراً ولا منصباً ولا وزارة.. وكان يمكن أن يريح نفسه من عناء المشاكسة أو «المناهدة مع الحكومة» على رأى العوام.
وقد عرض عليه رئيس الوزراء السابق م. إبراهيم محلب منصب مستشار رئيس الوزراء فرفض بغضب قائلاً: لا أريد المناصب، أنا أريد أن تطبق أفكارى الإصلاحية.. وبمجمل قراءاتى لأفكار الرجل فى الفترة الأخيرة أحصيت له قرابة مائة فكرة عملية وواقعية للإصلاح فى مجالات الاقتصاد والاستثمار والزراعة والسياحة.. كلها تهتم بالجدوى الاقتصادية حتى وإن لم يكن لها شو إعلامى، فمتى تهتم الدولة المصرية بهذا الرجل وأمثاله وهم كثيرون والحمد لله وناجحون فى كل مكان؟
عانى أطباء وممرضات الطوارئ والعناية المركزة والجراحات العاجلة فى فترة ثورة يناير من تكرار تعدى بعض البلطجية وتطاولهم عليهم، وقد تكرر ضرب الأطباء والممرضات وشتمهم وسبهم وتحطيم غرف العمليات والعناية المركزة والاستقبال ظلماً وعدواناً، تارة لأن مريضهم يتألم مثلاً أو تأجلت عمليته إلى الغد لأنها من نوع العمليات «الباردة» وليست «الطارئة» أو التى تحتاج إلى تجهيز خاص، وأخرى لأن مريضهم قد مات بعد أن قدِم إلى المستشفى وهو على شفا الموت، فلما عادت الشرطة إلى قوتها وبأسها بعد 30 يونيو استعادت المستشفيات أمنها وأمانها واستراح الأطباء واطمأنوا لحماية الشرطة لهم، فلما تعدى بعض أمناء الشرطة فى المطرية على الأطباء عاد الحزن إلى قلوب الأطباء لأنهم استعادوا بذلك الذكريات الأليمة السابقة.
إن بعض أمناء الشرطة يسيئون إلى آلاف الشرفاء من أبناء الشرطة ويحملون الداخلية وزراً هى فى غنى عنه، والغريب أنهم يفعلون ذلك لمصالحهم الشخصية وإعلاءً لذواتهم وتعالياً على المواطن البسيط وتجاوزاً للقانون الذى من المفترض أنهم حماته ورعاته، وهم يضرون بذلك سمعة زملائهم الآخرين وسمعة الشرطة كلها التى ينبغى عليها أن تجد حلاً دائماً لهذه التجاوزات التى تضرها قبل غيرها.. وأن تحاسب كل من يتجاوز حساباً عسيراً حتى لا يفكر غيره فى تكرار ذلك التجاوز.
لقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نهاية حياته ليقول لأصحابه والناس «من كنت قد جلدت له ظهراً فهذا ظهرى فليستقد منه، ومن كنت قد أخذت منه مالاً فهذا مالى فليأخذ منه».. رغم أنه لم يظلم أحداً ولم يبخس أحداً حقه.