الأسبوع الماضى زارنى رئيس جهاز مدينة السادات، يطلب «رأيى»، مع مشاركتنا فى عقد «مؤتمر» هدفه جذب مُستثمرين جُدد للمدينة، بعد أن أصبحت زى كل المدن الجديدة «خاوية»!!
وجاء ردِّى مُخيباً لأمله!!
1- عندما سألته: ما هو الجديد من تشريعات وقوانين تُـقنع بها المستثمر الصغير والكبير، المحلى أو العربى.. ولن أقول الخواجة لأن الخواجات خلاص بح.. مفيش واحد هيصدَّقنا تانى، وليس لديهم وقت يُضيِّعونه بعدما وعدناهم فى عشرين مؤتمر بقانون موحَّد للاستثمار وشباك واحد (زى إثيوبيا وبوركينافاسو) ولم يحدث!!
2- هل تعلمون أن الاستثمار فى المحروسة يحكمه 395 قانوناً وقراراً وزارياً وفتاوى تشريعية، ويتعامل المستثمر مع 39 جهة حكومية.. وأن الداخل فى دهاليز إنشاء شركة مفقود مفقود، ومُعرَّض للمنع من السفر، أو الحبس وراء القضبان حتى لو لم يرتكب أى جريمة (عندنا عشرات الأمثلة)!!
باختصار: غابة التشريعات (اللى فيها حتى الآن قوانين من أيام الهيمنة العثمانية).. مع أقدم جهاز بيروقراطى فى العالم، بكل تشوهاته وتعقيداته وأمراضه.. بجانب سياسات مالية ونقدية وضرائبية تتغيَّر كل شهرين.. ورأى عام فاقد الثقة فى المستثمرين (يعتبر أنهم لصوص عايزين يكسبوا).. وصحافة وإعلام وأفلام ومسلسلات تُغذِّى فكرة (أن رجل الأعمال حرامى حتى يثبت العكس).. علماً بأن «الحرامية» الخمسين معروفون.. والدولة تُنافق الرأى العام وتتردد فى إصدار قوانين وسياسات شفافة، واضحة، محدَّدة، قاطعة، فاصلة!!
السؤال:
1- هل إحنا بجد عايزين استثمار ومستثمرين.. ولاَّ إحنا أصلاً مش عارفين.. ولاَّ مش عايزين؟.. وأين السياسات الشفافة، الواضحة، الثابتة؟
2- فين «القوانين» التى تحكُم العلاقة المتوازنة بين مصلحة الوطن ومصلحة المستثمرين؟
3- ولماذا نحنُ مُصرِّون على عمل مؤتمرات ندَّعى فيها أننا مع الاستثمار والمستثمرين.. والحقيقة الواضحة والثابتة والتى يعرفها الصغير قبل الكبير، أننا «بترسانة قوانين»، وبجهاز إدارى «فاشل فاسد».. نصطاد المستثمر حتى يقع فى شباكنا ثم نبدأ فى تدويخه وابتزازه!!
والدليل:
اسأل أى شاب مصرى استدان من الصندوق الاجتماعى، وأسَّس مشروعاً صغيراً.. واسمع حكايته مع البيروقراطية والروتين والابتزاز والفساد بالمحليات.. وكيف حصل على التراخيص والموافقات والأختام والتصريحات؟!!
واسألنى أنا شخصياً عن تجربتى أنا وغيرى فى استصلاح وزراعة الصحراء.. وكيف تسبَّبتُ بدون قصد فى أذى عدد من زملاء المهجر، بعد أن أقنعتهم من عشر سنوات أن يعودوا مثلى للاستثمار على أرض الوطن الأم مصر، وماذا جرى لهم ولاستثماراتهم؟!!
واسألنى عن «الخواجات»، بالعشرات، الذين أتوا بنية الاستثمار فى مشروعات التصنيع الزراعى والتصدير، وبعد عدَّة زيارات ومحاولات هربوا إلى الأردن وإثيوبيا والمغرب.. والخاسر الوحيد هو شباب مصر الباحث عن فرصة حقيقية بمرتب مُغرٍ ومُجزٍ وبضمانات وامتيازات لن يُحققها لهم سوى مثل هذه الشركات بما لديها من خبرات وأسواق وإمكانيات!!
والحل:
قُلته أمس الأول لصديقنا المهندس شريف حبيب محافظ بنى سويف، الذى كان راغباً أيضاً فى عقد «مؤتمر» لجذب استثمارات.. قُلت له: لا داعى الآن لعمل «مؤتمرات».. شبعنا منها كلام × كلام وتصريحات.. لأن أحداً لن يُصدِّقنا، وكل مؤتمر يكشف عجزنا وكذبنا، ويُسىء لسمعة بلدنا (وبلدنا حالياً مش ناقصة)!!
نعمل إيه؟
أولاً: كُل مُستثمر مصرى أو عربى أو أجنبى «غارز» فى طين البيروقراطية العقيمة.. أو تايه فى غابة تشريعاتنا الفاسدة.. «نُنقذه» مما هو فيه.. «نُعطيه زقَّة» حتى يخرج من غَرزته فى الطين (زى اللى موقوف حاله على ترخيص أو موافقة أو تصريح، أو تقنين لأرضه -طالما أنه احترم القانون ولم يُخالف- اللى محتاج إعادة جدولة، اللى عايز تمويل بفوائد معقولة وليست تعجيزية، اللى عايز يتخارج من شركة توقَّـف نشاطها لأى سبب.. إلخ)!!
ثانياً: بعد ما نُنقذ الغارزين فى الطين من المُستثمرين الحاليين، الناس هتصدَّقنا إننا «جادين».. أوتوماتيكياً أى واحد مصرى، عربى، أجنبى، هوَّ الذى سيأتى باحثاً عن «فُرصة» لاستثمار أمواله وخبراته.. بشرط:
1- يلاقى قانون موحَّد للاستثمار، شفاف واضح لا لبس فيه، يُضاهى أى قانون استثمار فى أى دولة نجحت بجذب مئات المليارات من الدولارات: ماليزيا، الصين، كوريا الشمالية، تركيا، دبى، البرازيل، إثيوبيا.. وطبعاً شباك واحد بموظف مُدرَّب -مُوهَّل- عينه مليانة بمرتب مُغرٍ (واللى يرتشى يتعلق بميدان التحرير)!
2- قُلنا ألف مرَّة.. لا بد من مكان واحد لكل راغب فى شراء أراضٍ من الدولة، معها الموافقات والتراخيص، وسعرها مُعلن على خريطة مُعلَّقة على الحوائط ومنشورة على النت (مفيش لجان للتسعير) كل من «يدفع حق الدولة المطلوب»، ياخد العقد والتراخيص فى الحال.. والبنوك مع مؤسسات التمويل تقوم بدورها زى أى مكان فى العالم.
هذا إذا كُنا حقاً جادين، وعايزين البلد تنتعش، والشباب يشتغل لنفسه أو مع غيره، وبهذا نتفادى كساداً مقبلاً لا ريب فيه؛ بعد أن دخلنا مرحلة انكماش وتباطؤ.. لأن «الكساد»، حتماً سيؤدى إلى إفلاسات.
والنتيجة: اضطرابات اجتماعية حدثت كثيراً فى بلدان أمريكا اللاتينية، ودول أفريقية.. ونحن نعلم أن مصر بظروفها الحالية لا تتحمل مُطلقاً مثل هذه الاضطرابات.. ومن واجبنا تفاديها من الآن «بحزمة تشريعات» وعشرات الإجراءات.. مع حزمة سياسات!!
ختاماً.. علينا انتظار بيان الحكومة لنرى مدى إدراكهم لخطورة ما نحن فيه، وما نحن مقبلون عليه.. وما هى «الرؤى والسياسات والبرامج» التى ستلتزم بها الدولة خلال الفترة الحرجة المقبلة، تفادياً لخطر أراه يقترب.. أتمنى وأسعى ألّا يحدث!!
ونستكمل الثلاثاء المقبل.