تتحرك دائماً الحكومة بعد فوات الأوان وفى الميعاد الخطأ، وعندما عقدت النية على العلاج إذا بها تستأصل المرارة لمريض حصوة الكلى!!، هكذا تعاملت الحكومة مع أزمة الأطباء؛ اعتداء سافر من أمناء شرطة على أطباء فى مستشفى المطرية، الحادث ليس الأول، وبجاحته تثبت أنه لن يكون الأخير، إنه حادث فى سلسلة ومنظومة اعتداءات تتم بشكل يومى ومتكرر وكأنه ممنهج داخل المستشفيات المصرية حتى ترسخ فى الأذهان والوجدان أن الطبيب هو «الحيطة المايلة والحلقة الأضعف»، باختصار الملطشة، المشكلة والكارثة هى فى التعامل الحكومى والأمنى مع الحدث؛ فى البداية محاولة «طرمخة أمنية» من قبيل أنا وأبويا، أمين الشرطة، على ابن عمى، وأنا وابن عمى، المأمور، على الغريب أبو بالطو أبيض، وعندما اتخذ الأمر بعداً نقابياً واشتعل غضب الأطباء وتسربت فيديوهات توضح إهانة أطباء مستشفى المطرية بشكل مستفز، ظل التعامل مع أمناء الشرطة متلكئاً متراخياً يبغى ويسعى إلى لم الموضوع وليس عقاب المخطئ، وهذه هى الكارثة؛ تلكؤ وتصدير الأمر على أنه مشاجرة والسلام وكان الله يحب المحسنين، ثم فى النهاية، وقبل اجتماع اللجنة العمومية بيوم، يتم استدعاء أمناء الشرطة فى النيابة!!، لسان حال الناس والأطباء يقول: ما كان من الأول، ما الداعى للبطء الذى يستدعى على الفور الشك والتوجس؟، صاحب هذا البطء والتردد حملة إعلامية تم فيها استدعاء أخطاء الأطباء من السندرة، وحشد المشاهدين نفسياً ضد هؤلاء الجزارين الذين يرتدون البالطو الأبيض، فبدأنا نسمع عمن نسى موتوسيكلاً فى بطن مريض ومن بتر عضواً حساساً وهو يجرى عملية اللوز!!، لم ينكر أحد أن هناك أخطاء طبية وأن الأطباء ليسوا ملائكة يمشون على الأرض مثلهم مثل أى مهنة فى مصر، ولكن السؤال الذى جعل الناس تتوجس ويسكنها الريبة وافتراض عدم حسن النية هو غرابة التوقيت وكمية الحشد الإعلامى، فالقضية واضحة والسؤال محدد وهو: كيف نحمى الأطباء فى مستشفياتهم وهم يعملون فى ظروف غير إنسانية؟، والإجابة معروفة ومن الممكن أن تنفذها الحكومة فى ثوانٍ قليلة، ليست معضلة، هذا عن الحل الاستراتيجى العام للقضية، أما عن الحل التكتيكى العاجل لقضية اعتداء أمناء الشرطة على الأطباء فلا ينفع فيه إلا تنفيذ القانون الرادع السريع الذى لا يسمح للقيل والقال، ولا ينفع فيه التفكير القبلى الذى من الممكن أن ينجح فى مشاجرة حارة وليس فى اعتداء على مستشفى، لا ينفع أن أفكر بمنطق ده الراجل بتاعى ازاى أعاقبه؟!!، مفيش فى القضايا اللى زى دى الراجل بتاعى وبتاعك، لا يوجد إلا القانون يطبق على الجميع وبالتساوى، للأسف الحكومة فى قضية الأطباء الأخيرة عالجت السرطان بالأسبرين، وأجرت جراحة لإزالة الزائدة الدودية بفتحة فى القفص الصدرى، وبحثت عن الحل فى تجريس الأطباء لا عقاب الأمناء، لذلك وصلنا إلى الوضع الذى نحن عليه اليوم، غضب أطباء أحسوا بالمهانة، وحالة سيولة دخل فيها «أبوالفتوح» على الخط وهو يظن أنه قادر على ركوب الموجة والعودة إلى المشهد، وقطاع من الناس غير متابع إلا للعناوين ويسعى إلى راحة الدماغ ويترجم أى مطالب عادلة إلى محاولة حرق البلد، هذا القطاع يصرخ: همّا الأطباء على راسهم ريشة؟!، وفى النهاية وعندما تريد أن تطل على تفاصيل المشهد تجد الحكومة قد شدت اللحاف وانتبذت ركناً قصياً وخدت تعسيلة وغرقت فى سيمفونية شخير من النوع النشاز جداً.