الطبيعى أن يسعى نواب البرلمان لمراقبة أعمال الحكومة ومساءلتها لعدم تفعيل القانون وإساءة استخدام السلطة ضد المواطنين، ولكننا فوجئنا فى أزمة تعدى أمناء شرطة على أطباء مستشفى المطرية أن نواباً يضغطون على الأطباء للتنازل ومنع تقديم المعتدين الذين تعدوا على أطباء أثناء تأدية عملهم فى مستشفى حكومى (إن لم يكن عسكرياً وفقاً لقرار سابق) بغرض الحصول على تقارير طبية مزيفة. لا نعرف بالضبط الأعمال البطولية والقومية النادرة التى قام بها الأمناء التسعة التى تغفر لهم ليتدخل نواب لمنع تنفيذ القانون وتقديمهم للمحاكمة بوأد التحقيقات فى التعدى والضرب والخطف بالقوة من محل العمل والإهانة دون سند قانونى ونقل المخطوفين بسيارة الشرطة للقسم عنوة من أجل تنفيذ طلب مُجرَّم قانوناً، فضلاً عن تجاهل النواب لعدم تحويل الحكومة للمتورطين فى تلك التقارير المزيفة التى حصل عليها أمناء شرطة بالتدليس من مستشفى هليوبوليس للقضاء.
تجاهل النواب ذلك كله وأخصه عدم تفعيل القانون وهو أصل الشر والنتائج التى ترتبت عليه ثم القفز إلى النتائج وإنكار الأسباب هو نوع آخر من الزيف والمغالطة ومجافاة للعقل والحقيقة والعدل والسلام المجتمعى.
إننا بصدد مؤسسة من مؤسسات الدولة تستخدم القوة المشروعة والسلاح فى عملها، ولكن بات بعضها يستخدمهما فى الاعتداء على المواطنين العزل، ولم يعد ممكناً اعتبار هذا التعدى أعمالاً فردية، إذ جرت أربع وقائع تعدٍ من ضباط وأمناء شرطة على الأطباء والتمريض خلال 60 يوماً، أولها مقتل طبيب بالإسماعيلية، ثم إن هذه الحوادث تكررت مع المحامين مما دعا السيد رئيس الجمهورية للاعتذار لهم يونيو الماضى بعد تعدى نائب مأمور فارسكور على أحد المحامين وتهديد المحامين بالإضراب ما لم يُقدم المعتدى للمحاكمة. هل نفهم إذن من تلك الحالات أنه لا توجد نية لتقديم المعتدين من الشرطة لمحاكمات، لدرجة أن يعتذر الرئيس عن خطأ أحدهم ولا يقدم للمحاكمة؟!
الواقعة التى نحن بصددها تكشف عن الطريق الخطر الذى تسير إليه البلاد، والخطر الحقيقى الكبير ليس فى واقعة التعدى ذاتها على طبيبين أثناء عملهما وسحلهما وإهانتهما وخطفهما بالقوة دون سبب أو سند قانونى، وليس فى استدعاء أمينى الشرطة اللذين طلبا تقريراً طبياً مخالفاً للواقع لزملائهما الأمناء لخوض معركة والمساعدة فى عملية التعدى والخطف، وليس فى أن المعتدين مدينان لزملائهما المجاملين المشاركين فى الاعتداء على «المطرية التعليمى» برد مماثل فى أعمال أخرى مشابهة تخصهم مستقبلاً.ومن يدفع ثمن المجاملات المقبلة؟ وليس فى اقتحام مبنى حكومى باستخدام القوة والسلاح، وليس كذلك فى وصف وزير الداخلية لذلك كله بعد عشرة أيام أنه مجرد شجار، كما أنه ليس فى الحصول على شهادة طبية مزيفة من مستشفى آخر.
كل هذا خطر ولكن هذه الأعمال هى أعمال أفراد ربما تنطبق عليهم صفات التزوير أو البلطجة أو الاستسهال واللامسئولية، وإنما الخطر كل الخطر، الذى لا يمكن قبوله أو السكوت عليه هو سكوت مؤسسات تنفيذ القانون وإعماله وإقامة العدل فى البلاد عن هذه الوقائع مدةً أدت لإثارة المزيد من الغضب الشعبى والتضامن من سائر الأحزاب والنقابات ضد هذا التخاذل والضغوط التى قصد منها تنازل المعتدى عليهما بعد تهديدهما بالحبس فى قسم الشرطة الذى تعدى أفراده التسعة عليهما، وضد العمل بصبر وأناة على منع تقديم من ارتكبوا أكثر من تهمة من المثول للتحقيق والمحاكمة.
لقد تم حفظ التحقيقات أولاً فى جرائم لا يجوز حفظ التحقيقات ولا التصالح فيها، ثم تمت إعادة فتح نفس التحقيقات بعد الضغوط الشعبية التى تسعى لتفعيل القانون.وبعد أسبوعين مثل الأمناء أمام النيابة!
لماذا إذن يتم التلكؤ فى محاسبة المخطئين وإعطاؤهم حصانة لا يبيحها دستور ولا قانون، إن السكوت على مثل هذه الاعتداءات المتكررة على المواطنين لجعلها وكأنها أمور عادية يتم التسليم لها أمر لا يخدم الاستقرار والسلام الاجتماعى ولا حتى الإخضاع الذى هو هدف ذلك الدعم الضمنى. إهدار القانون والبطء فى إقراره كإنكاره لن يجلب هيبة ولن يُخضع أحداً بل يفتح أبواباً للفوضى والعنف والتمرد ورفض حكم جماعات.