كثيراً ما يقع الثوار فى مشكلات من صنع أيديهم ويستسلمون لأوهام من نسج عقولهم. فمع الحماس الزائد والانتشاء الثورى يصر بعضهم
منذ نحو أسبوع التقى الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بنحو 500 مواطن من أعضاء الجالية المصرية فى قطر على هامش مشاركته فى أعمال القمة العربية الرابعة والعشرين. كنت واحداً من هؤلاء.
لنتكلم بصراحة، ليس معروفاً عنا نحن المصريين تقدير قيمة الوقت.بالطبع فينا من يحترم المواعيد ويقدر أهمية اتخاذ القرار فى الوقت المناسب، لكن الوقت فى حياتنا يبقى بشكل عام مورداً مهملاً لا ننظر إليه كشرط لا غنى عنه للنجاح.
هل ستتحسن الأحوال فى مصر؟ الإجابة نعم. لكن متى؟ لا أحد يستطيع أن يجيب. لماذا؟ لأن الأحوال، كما نرى، تسوء ويُنتظر أن تسوء أكثر قبل أن تتحسن. فعادةً ما تضيق الأمور قبل أن تُفرج.
مصر غير قابلة للاختطاف.. ومع ذلك ما زال البعض يظن أنه يستطيع أن يخطفها.. وهؤلاء لا يتعلمون من التاريخ.. لا ينظرون لمحاولات كثيرة جرت لخطفها وفشلت.. فى كل مرة لم يكن الخاطف يرى أنه يسطو عليها، وإنما يعتقد أنه يجتهد من أجلها.. وفى كل مرة حاول فيها الخطف لقى مقاومة. كل خاطف تصور أنه أحق بمصر.. وأن مشروعه مشروع لمصر كلها..
«لنحتكم إلى الصندوق.. أليست هذه هى الديمقراطية؟» عبارة ترددت كثيراً خلال الأيام السابقة على الاستفتاء، وبصفة خاصة ممن قرروا أن يقولوا «نعم». ومعهم حق.. لكن فى جزء مما قالوه.. لماذا؟ لأن الصندوق ليس هو عنوان الديمقراطية أو جوهرها أو هدفها.. الصندوق هو آخر شىء تستعمله الديمقراطية، ولا يزيد عن أداة لا تُستعمل إلا بعد أن يطمئن الجميع إلى أنهم يعرفون كيف يستعملونها الاستعمال الآمن.
لم أستغرب فى ظل حالة الاستقطاب المتفاقمة فى بلدنا، طريقة استقبال المصريين للإعلان الدستورى الأخير ولا لمسودة الدستور. رأيت فريقاً يُهلل ويعتبر الوثائق الجديدة مخرَجاً طيباً من عنق الزجاجة. يقابلهم فريق آخر يندد ويتوعد بإلقائها فى «مزبلة التاريخ». الفريق الأول يشيد بالرئيس وإيمانه بالديمقراطية، منوهاً بترحيبه بمسودة الدستور، بما يؤكد أنه لم يكن يريد بالإعلان الدستورى الذى أصدره أن يكون فرعوناً. أما الفريق الثانى فينتقده ويعتبر أنه تلاعب بإرادة المصريين عندما خيّرهم بين إعلان دستورى يحتكر فيه كل السلطات ومسود
لو أن قاسماً مشتركاً يجمع المصريين اليوم برغم ما بينهم من انقسام فلن يكون أوضح من إحساسهم المشترك بالقرف. و«القرف» فى اللغة هو مخالطة المستكره. هو امتعاض يصل أحيانا إلى النفور التام من شخص أو فكرة أو وضع أو مكان أو زمان أو أى شىء لا يطيقه الإنسان لكنه يحمل على معايشته.
يجب أن نحذر، فليس أى دستور يمر يعنى أننا قد تجاوزنا الخطر، فالدساتير يمكن أن تحل مشكلات قائمة ويمكن أن تخلق بمجرد الإعلان عنها مشكلات جديدة. الأمر يتوقف على احترام الأصول المرعية فى كتابة الدساتير وتوفير مناخ ملائم عند كتابته حتى يخرج ليؤسس لسلام اجتماعى حقيقى وليس لاستقرار زائف. فدستور والسلام لن يؤسس للسلام. ووضع دستور بطريقة «مشى حالك» أسوأ من عدم الاتفاق على دستور حتى الآن.
الآباء المؤسسون فى ورطة. دخلوا الجمعية التأسيسية للدستور آملين أن يخلدوا أسماءهم فى التاريخ. ولا يعرف أحد كيف سيكتب التاريخ عنهم. كانوا فى كل جلسة يطحنون. لكنهم لم يقدموا للمصريين بعد طحيناً يرضيهم. قدموا مؤخراً مسودة للدستور. لكن قدموا أيضاً صورة سوداء. فالمفترض فيمن كتبوا للشعب مسودة دستور أن يكونوا قد عرفوا بعد أسابيع طويلة قضوها معاً كيف يبنون توافقاً. لكن هذا لم يحدث. ما حدث أن الآباء المؤسسين بدأوا، للعجب، فى التراشق. وتلك علامة خطيرة للدستور وللوطن.