«الوطن» تفتح ملف «سرطان مصر»
كلنا فاسدون
مرة.. سألت نفسى: لماذا لم يخلقنى رب العباد.. فاسداً؟ استغفرت وتمتمت: لله فى خلقه شئون. مرة أخرى سألت نفسى: كيف يصبح المرء فاسداً؟ المصرى «بالفطرة» فى كل شىء، إلا أن يكون فاسداً. يولد الإنسان، فى مصر وغيرها، نظيفاً، أبيض من غير سوء. ويوماً بعد يوم.. ينضج، يختار، وكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلق له.
باختصار.. فسادنا «مننا فينا»
ما الذى يحتاجه المرء ليكون فاسداً؟ لماذا يفسد؟ هل لا بد أن يكون فقيراً ليفسد؟ ليس تماماً، فكثير من فقراء هذا العالم شرفاء وحراس فضيلة. هل هى نفسه «الأمّارة بالسوء»؟ ليس تماماً، فقد قال الله فى كتابه العزيز: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا». هل هى بيئة أو واقع؟ ليس تماماً، فكلنا أبناء هذه البيئة: كتف الفاسد فى كتف الصالح، وفى كل بيئة عمل أشرار وطيبون. إنها سنّة الحياة وجوهرها. فى كل مهنة، فى كل موقع عمل أو مسئولية، فى كل أسرة، فى كل نفس بشرية. ويقول العامة والبسطاء: «البطن قلابة».
من أين يبدأ الفساد؟ من القاعدة أم القمة؟ من المواطن أم المسئول؟ من الرعية أم الراعى؟ من الطبيب أم المريض؟ من المحامى أم المجنى عليه؟ من الإعلامى أم المشاهد والقارئ؟ من التاجر أم الزبون؟ من الضابط أم المتهم؟ من المهندس أم الساكن؟ من المعلم أم التلميذ؟ هذا سؤال خاطئ بالأساس. فكلنا فاسدون: الفاسد بفساده، وضحية الفساد بالسكوت عليه، وهو ما حسمته الآية الكريمة: «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ».
كم عمر الفساد فى مصر؟ هل هو ستون عاماً أم سبعة آلاف عام؟ هل هو ملكى أم جمهورى؟ هل هو ميراث عبدالناصر أم ميراث السادات أم ميراث مبارك؟ هل هو سياسة أم دين.. أخلاق أم اقتصاد.. علم أم خرافة؟. هذه أيضاً أسئلة خاطئة، فـ«كل وقت وله فساد». ربما كان الفساد أوسع انتشاراً، أكثر شرعية، أشد خطراً، لكن الجذر دائماً واحد. نقول مثلاً: «فساد ثلاثين عاماً حكمها مبارك»، لكننا لم نسأل: من الذى سكت على هذا الفساد كل هذه السنين؟ ثم ثُرنا عليه وأزحناه، وجئنا برئيسين غيره، وها نحن نصرخ: كلنا فاسدون! أين العلة إذن؟
«دولة فاسدة» يعنى: دولة بلا قانون.. بلا أخلاق.. بلا شفافية.. بلا طموح.. بلا شهية مفتوحة للحياة. يعنى باختصار: «دولة والسلام». يعنى: مصر التى نعيشها.. دولة تحرسها ملائكة لأن فيها طيباً واحداً وتسعة أشرار.
لماذا نفتح الآن ملفاً قديماً، بل ضارب فى القدم؟ لماذا نعيب زماننا والعيب فينا؟ لأننا فى الحقيقة أصبحنا أعداء أنفسنا. أصبحنا مهددين بفسادنا، لأن كل الفاسدين بيننا؛ أشقاؤنا، وأبناؤنا، وأصدقاؤنا، وزملاؤنا. كل الفاسدين خلايا نائمة فى أجسادنا، أوتار ضعيفة، تعطل كماناً يصارع لينهى لحناً مكتوباً منذ سبعة آلاف سنة.. وإذا اكتمل سيكون نشيداً لدولة عظمى نحلم بها، اسمها: «مصر».