«عزرائيل» فى «بالطو أبيض»
إهمال طبى تسجل سنوياً طبقاً للتقادير الرسمية.
تنوعت قضايا فساد الأطباء بين الإهمال الطبى فى علاج المرضى واستغلال المرضى وإقناعهم بجراحات لا تستدعى حالتهم اللجوء إليها للحصول على عائد مالى أكبر، إضافة إلى الاستعانة بمستلزمات طبية منتهية الصلاحية مقبلة من الخارج، فضلاً عن الإخلال بقسَم المهنة والتعامل مع شركات دولية سراً لتسريب بيانات المرضى لها، فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن واقعة وفاة مواطن نتيجة خطأ طبى سواء فى مستشفى حكومى أو خاص، ولا يقتصر الأمر على المواطن ذى التاريخ المرضى فقط، بل امتد الإهمال الطبى إلى الأصحاء، الذين ساقهم القدر إلى المستشفى لأى سبب طارئ، فخرجوا منه إما جثثاً هامدة أو ذوى عاهة مستديمة أغلقت معها باب الأمل فى حياة عادية كنظائرهم وتقع المسئولية الأولى على الطبيب.
الطبيب 35% فقط من قضايا الإهمال تجد طريقها إلى القضاء، ويواجه أكثر من نصفها مصير «الحفظ»، لأن السبب الرئيسى للوفاة: «هبوط حاد فى الدورة الدموية»
وطبقاً للتقارير الرسمية يُقدر متوسط قضايا الإهمال الطبى بـ594 قضية فى العام، فى حين تم الإعلان فى مؤتمر لمعايير السلامة والجودة الصحية فى عام 2013 عن وجود أكثر من 5 آلاف خطأ طبى كل عام فى مصر لأسباب متعددة. وقد أحالت النيابة الإدارية مدير مركز أورام طنطا السابق، وطبيباً منتدباً لمركز أورام طنطا للمحاكمة العاجلة، لقيامهما بتسريب بيانات مرضى السرطان لإحدى الشركات، حيث إن المتهمين فى غضون 2015 لم يؤديا العمل المنوط بهما بالأمانة الواجبة، وأفشيا المعلومات التى اطلعا عليها بحكم وظيفتهما، وانتهكا سرية بيانات المرضى.
وأبرم المتهمان اتفاقاً فى يونيو 2015 مع شركة دولية للحلول المتكاملة للمنظومة الصحية، يحق بموجبه للشركة الحصول على البيانات الخاصة بمرضى السرطان بالمركز، وذلك رغم عدم موافقة السلطة المختصة على هذا الاتفاق أو العرض عليها.
كما تمت إحالة أستاذ بكلية الطب فى جامعة القاهرة إلى نيابة الأموال العامة، لحيازته 875 من المستلزمات الطبية التى من بينها «قساطر قلب وإبر طبية، منتهية الصلاحية حال عودته من الولايات المتحدة وأقرّ المتهم بأنه يستعمل تلك المستلزمات الطبية لإجراء عمليات جراحية بها وإهداء بعضها لقصر العينى، وتعد قضية الإهمال الطبى الجسيم التى تسببت فى فقدان الرؤية لـ7 من المرضى بعد حقنهم بمادة الإفاستين بمستشفى الرمد بطنطا أحدث القضايا التى عرفها الرأى العام مؤخراً، وعزت التقارير وجود إهمال من الأطباء فى طريقة حقن المرضى وعدم اتباع معايير السلامة وطرق التعقيم ومكافحة العدوى، مما أثر على الرؤية عند المرضى، كما أن المادة التى تم الحقن بها دخلت بطرق غير شرعية عن طريق الأطباء، وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية تعرف الأخطاء الطبية بأنه انحراف الطبيب والممرض عن السلوك الطبى العادى والمألوف وما يقتضيه من يقظة إلى درجة يهمل معها الاهتمام بمريضه.
الإحصائيات الرسمية: 200 خطأ طبى على الأقل يومياً.. وشكاوى المرضى: تعطل الأجهزة «عادى جداً» فى غرف العمليات
الطفلة دينا عمرها سنتان من حلوان دخلت مستشفى الهرم بناء على توصية مباشرة من مكتب وزير الصحة لإجراء عملية بعينها فقام طبيب بوصف حقنة كالسيوم على هيئة محلول لها فأعطتها الممرضة الحقنة كاملة وليست على هيئة محلول وتوفيت الطفلة خلال 45 دقيقة. ووفقاً لإحصائيات رسمية فإن هناك 200 سبب لخطأ طبى يقع يومياً ضمن تعليمات غير مكتوبة من جانب الطبيب، فيما يخص تعليماته لطواقم التمريض وبسببها يتهرب الطبيب من مسئولياته أمام القانون. وأما أشهر حالات الأخطاء من جانب فرق التمريض فهو تقديم جرعات الدواء بشكل خاطئ أو إعطاء دواء بالخطأ أو تأخير عناية الممرضات لساعات بسبب الزحام مع نقص توفير العدد المناسب لضغط المستشفى أو اتخاذ إجراءات طبية دون تدريب صحيح. نحو 11 حالة توفيت أثناء جراحات تدبيس المعدة بمستشفى أحمد ماهر التعليمى بسبب أخطاء طبية أثناء العملية، أغلب هذه الحالات خرج من غرف العمليات مصاباً بغيبوبة أدت للوفاة، وقد قام أهالى الحالات بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء، فى وسط القاهرة، وذلك بعد وفاة أكثر من 17 شخصاً من أقاربهم، نتيجة أخطاء طبية ارتكبها طبيب متخصص فى جراحة السمنة فى المستشفى.
الطفلة «دينا» نموذجاً: دخلت المستشفى بـ«توصية» من وزير الصحة لإجراء عملية فى عينها.. فخرجت «جثة هامدة» بعد 45 دقيقة
وتتنوع صور الإهمال الطبى بين التأخير فى تقديم التدخل الطبى لعدم وجود الطبيب المختص أو غيابه أو عدم التزامه بأوقات العمل فى النوبتجية والتعامل الطبى الخاطئ «التشخيص» أو إعطاء الدواء الخطأ، رفض استقبال الحالات المرضية الطارئة من قبل المستشفيات الخاصة بالمخالفة لقرار رئيس مجلس الوزراء باستقبال تلك الحالات لمدة 48 ساعة، فيما يعد مخالفة صريحة لنص المادة 18 من الدستور كما حدث فى حالة وفاة أكرم حسان مونتير بإحدى القنوات الفضائية ورفض أحد المستشفيات الخاصة علاجه إلا بعد دفع ٢٠ ألف جنيه، وكان يعانى من أزمة قلبية وبعد توفير المبلغ أبلغهم المستشفى بعدم وجود أدوية ومستلزمات طبية بالمستشفى وطالبوهم بنقله لمستشفى آخر، كما أن المستشفى لا يوجد به سيارة إسعاف، وهنا توقف قلب المريض ومات. ويعد الإهمال فى تقديم الرعاية الطبية والمتابعة وفساد الأجهزة المصاحبة للطبيب وتعطلها وعدم جاهزيتها من أبرز صور الإهمال الطبى، بالإضافة إلى المستوى المتدنى فى النظافة والسلامة الصحية ووجود مصادر للعدوى داخل غرف العمليات، كما رصدت التقارير الرسمية أن من أسباب وقوع الطبيب فى الخطأ استمرار العمل للطبيب لنحو 24 ساعة متواصلة، بالإضافة إلى الفساد المالى للأطباء.
نسرين سيدة دخلت أحد المستشفيات لإجراء عملية ولادة قيصرية خرجت حالتها متدهورة وتعانى من مضاعفات شديدة وتم نقلها لأكثر من مستشفى لمعرفة السبب وهى فى غيبوبة تامة وسافر أهلها لعلاجها بأحد المستشفيات الأجنبية بالخارج وتم اكتشاف أن الطبيب قطع المعدة تماماً وحالتها متأخرة وفقدت حياتها بعد شهرين وما زالت القضية قيد التحقيقات، ورغم تلك التقارير فإن الخبراء يؤكدون أن 35% من قضايا الإهمال الطبى فقط تتم إحالتها للقضاء و70% من القضايا يتم حفظها بسبب تقارير الطب الشرعى الذى يعزى أغلبها سبب الوفاة لهبوط حاد فى الدورة الدموية وعلى أثر ذلك يتم حفظ المحاضر.
هدى أحمد، شابة فقدت القدرة على الولادة الطبيعية مدى الحياة بسبب الطبيب الذى أقنعها بضرورة الولادة القيصرية لخطر الطبيعية عليها وعلى الجنين، واكتشفت بعد ذلك استغلال الطبيب لها مادياً وعدم استدعاء حالتها للولادة القيصرية، ولا يقتصر الإهمال فقط على العلاج الطبى بل امتد إلى رفض المستشفيات إفادة المريض بتقرير طبى عن حالته كما حدث مع إخصائى شئون عاملين بهيئة النقل العام عقب إجراء عملية تركيب جبيرة بيده، حيث فوجئ بعد مرور 3 شهور بتورم يده وشعر بألم، فتم عرضه على «الكوموسيون الطبى» بمستشفى الهيئة، الذى اكتشف أن يده أصبحت عاجزة ولا يستطيع تحريكها نتيجة خطأ طبى من العملية.
حالة أخرى عجوز كفيف لم يشفع له عجزه عند الأطباء للرفق به، الذى دخل مستشفى التأمين الصحى ببنى سويف وتم تشخيص الحالة على أنها انتفاخ وتم إخراجه من الاستقبال بحجة أنه سليم وتوفى الرجل بعد 20 يوماً إثر إصابته بجلطة بالمخ كما أوضح تقرير الوفاة. وبالرغم من حفظ العديد من قضايا الإهمال الطبى فإن هناك بعض القضايا تم البت فيها، فقد تمكنت مباحث تنفيذ الأحكام بالسويس من ضبط 3 أطباء صادر ضدهم حكم بالحبس سنتين، فى قضية إهمال علاج أحد شهداء ثورة 25 يناير فى السويس مما أدى إلى وفاته، وكانت محكمة جنح السويس قد أصدرت فى جلستها بتاريخ 6 سبتمبر 2014، حكماً فى القضية رقم 3483 جنح السويس لسنة 2014، وقضت بالسجن عامين للأطباء «حسن. أ» و«فرج. ع» و«أحمد. ع». ويمتد الإهمال إلى الأطفال فى الحضانات، حيث تعرضت طفلة حديثة الولادة بأحد المراكز الطبية بمدينة نصر لإصابة أدت لإصابة قدمها بغرغرينة، مما اضطر الأطباء لاستئصال جزء من قدمها نتيجة خطأ طبى من الأطباء الذين قاموا بتركيب «الكانيولا» فى شريان قدم الطفلة بدل الوريد، مما أدى إلى إصابتها بـ«غرغرينة»، على حد قول عمة الطفلة.
وقضية أطفال بنى سويف، 27 حالة من الأطفال يعانون من أعراض نزلة معوية «إسهال، قىء، ارتفاع بدرجة الحرارة، آلام بالمعدة» وأثناء تلقيهم العلاج بمحلول معالجة الجفاف «ريهايدران» الوريدى، أصيب الأطفال بتفاعلات تشنجية بعد استهلاك حوالى 50 سم3 من المحلول، ما استدعى وقف العلاج على الفور والتدخل الطبى السريع للتعامل مع الأعراض التشنجية.