مهمة لا تعرف «كادر الضمير»
المدارس تحولت إلى سلخانات تعذيب
شهدت وزارة التربية والتعليم خلال الـ 5 أعوام الماضية وقائع فساد جديدة للمعلمين تمثلت فى مشاركة بعضهم فى تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة وتصويرهم ورق الأسئلة وتسريبه عبر مواقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» و«تويتر»، وأيضاً عدم إعطاء الطلاب الدرجات التى يستحقونها فى الامتحانات، كما شهدت الوزارة فى عهد الإخوان قيام العديد من المعلمين بإقحام السياسة فى المدارس، ومحاولات التأثير السياسى على الطالبات والطلبة، والتحريض على عدم احترام السلام الجمهورى، كما تعددت وقائع الضرب داخل المدارس من قبل المعلمين والمعلمات على الطلاب، وكانت أبرز تلك الأساليب استخدام العصا والسلك الكهربائى والخرطوم، فى الوقت الذى جرّمت فيه وزارة التربية والتعليم تلك الأساليب.
الشرح ممنوع إلا فى «الدروس الخصوصية».. والعائد من المكافآت والحوافز «صفر»
كل هذه السلبيات وغيرها اقترنت بعدم وجود رؤية واضحة من المسئولين لتطوير منظومة العملية التعليمية فى مصر، للعمل على إخراج طالب متميز أخلاقياً وتربوياً وتعليمياً، تزامناً مع احتلال مصر المرتبة قبل الأخيرة فى مجال التعليم، ولعل أبرز هذه السلبيات التى تعانى منها منظومة العملية التعليمية فى مصر، عدم وجود المعلمين التربويين ذوى الكفاءة العالية للعمل على شرح الدروس وتعليم الطلاب الأخلاقيات وتأهيل الطلاب للتعامل مع تطورات العصر، وعدم وجود رؤية واضحة لتطوير المناهج الدراسية فى مختلف مراحل التعليم لكى تعتمد على الفهم والابتكار والخيال العلمى والبعد عن الحفظ والتلقين، وزيادة الكثافة الطلابية داخل الفصول حتى إن بعض الفصول وصل عدد طلابها لنحو 120 طالباً فى الفصل الواحد، فى الوقت الذى عجزت فيه وزارة التربية والتعليم عن مكافحة الكثافة الطلابية.
الطالب يكسر «عين المعلم» ثم يتحكم فيه.. ووقائع «الاعتداء المتبادل» تكشف حجم المأساة
كما أن هناك بعض وقائع الفساد داخل قطاع التعليم، والتى أثرت على انتظام سير العملية التعليمية بالمدارس، وعدم الاهتمام بالطلاب داخل الفصول، ومنها صرف المكافآت والحوافز دون وجه حق والازدواج فى صرفها مما أدى إلى انشغال المعلمين والقائمين على العملية التعليمية بصرفها دون الاهتمام بالطلاب وشرح الدروس، وأيضاً مخالفات تسريب الامتحانات، والتلاعب فى أوراق الإجابات، والتعاقد مع العديد من المدرسين بالمدارس دون وجه حق، وسرقة العديد من المدارس ومحتوياتها، وزيادة جرائم التحرش والانتهاك الجسدى بالطالبات، ومخالفات القبول بالمدارس التجريبية دون استيفاء شروط القبول، والعنف الجسدى واللفظى ضد الطالبات والطلبة.
ومن أهم المخالفات التى ارتكبها العديد من المعلمين، التحدث فى الأمور والأوضاع السياسية التى تمر بها البلاد ومحاولات التأثير السياسى على الطالبات والطلبة داخل أروقة المدارس، والتحريض على عدم احترام السلام الجمهورى أو القانون بشكل كان فى الغالب الأعم ما يصاحبه إكراه مادى أو معنوى، وهى ظاهرة جديدة على المجتمع الوظيفى يتعين القضاء عليها بكل صرامة وتخصيص وقت العمل لأداء واجبات الوظيفة العامة، بعيداً عن معترك السياسة، إضافة إلى انتشار التحرش الجنسى بالمدارس، وتعد تلك الظاهرة إجرامية بكل ما فيها من انتهاك للآدمية والإنسانية والأخلاق والأديان، فإن حجم الجرم يكون أفدح وأعظم متى وقع داخل مؤسسات تربوية وتعليمية تذهب إليها الطالبات أمانة فى أعناق مدرسيهم، فإذا بهن يتعرضن لانتهاك جسدى ونفسى ممن يفترض به حمايتهن.
ولعل ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية تعد من أهم مخالفات المعلمين، ويرجع ذلك إلى عدم كفاية المرتب الذى يتقاضاه المعلم، وهذا يجعله غير راضٍ عن المهنة التى يقوم بها، وينعكس ذلك بقيامه فى إلقاء ما لديه أمام التلاميذ ربما دون حماس أو بصبر نافد سواء فى إلقاء الدرس أو الإجابة عن أسئلة الطلاب، مما يؤدى إلى إخراج طلاب أميين لا يعرفون القراءة والكتابة وغير قادرين على التأقلم مع تطورات العصر التى تشهدها البلاد. حيث وصل عدد الطلاب فى المدارس إلى 19 مليوناً و350 ألف طالبة وطالبة فى مختلف مراحل التعليم، من بينهم 8 ملايين طالب لا يجيدون القراءة والكتابة، وفى هذه الحالة يلجأ الطلاب إلى الدروس الخصوصية ويبتعدون عن الحضور إلى المدرسة، وهذه الحالة تجعل المعلم فى موقفين شديدى الصعوبة فيما يرتد عليه من هذا المسلك، الموقف الأول يصدر من الطلاب الذين يستجيبون للدروس الخصوصية لدى المعلم فهذا الطالب ينظر للمعلم نظرة متدنية، وفى الغالب يؤكد المعلم تدنيه واهتراءه فيتمادى ليؤكد أحقيته فى إقبال التلاميذ على دروسه الخصوصية مستخدماً قدرته على إنجاح الطالب وخصوصاً فى السنوات غير النهائية بالمراحل التعليمية، أما الموقف الثانى الذى ينعكس على المعلم من إعطاء الدروس الخصوصية فهو ما يصدر من الطالب الذى لا يحصل على الدروس مع هذا المعلم فهو فى نظر الطالب ليس محل ثقة فى كل الأحوال، إذا أثنى عليه فهو يدعوه للحصول على درسه الخصوصى، وإذا لامه لتقصير، فهو لأنه لا يتلقى درسه الخصوصى منه، وهنا نرى أن المعلم خاسر خاسر فى كل الأحوال من مهابته ومكانته واحترامه المفترض، الذى يستعيضه بالعامل المادى.
وهناك أسئلة عديدة تطرح نفسها على المجتمع، ومنها: هل المعلم مسئول عن التصرفات السيئة التى يصدرها الطالب، نعلم أن المعلم أحد المساهمين فى عملية التربية بالنسبة للطالب المدرسى، حيث إن المعلم لا بد أن يكون قدوة حسنة لجميع التلاميذ وهذا ما يعرف بـ«التربية بالقدوة». بحيث يضع حدوداً لتصرفاته وأفعاله؛ فكثيراً ما نلاحظ أن طلاب المدارس يقلدون المعلمين سواء فى سلوكياتهم أو فى ملابسهم، وغيرها كثير. وتعتبر التربية بالقدوة من أفضل الأساليب التربوية، فالأطفال يتعلمون عن طريق التقليد والمحاكاة، لذا فهم بحاجة إلى القدوة، والقدوة مهمة لكل الناس، عن طريق القدوة يتحول التربوى النظرى إلى واقع حقيقى، وعن طريق التربية تتم ترجمة مبادئ وقيم المنهج إلى سلوك حىّ، وذلك من خلال سلوك وتصرفات ومشاعر وتفكير الإنسان القدوة، وبالتالى يصبح المنهج حقيقة ماثلة أمام الناس.
وترصد «الوطن» بعض وقائع الفساد من قبل العديد من المعلمين، حيث إن هناك الكثير من المعلمين يمتنعون عن دخول الفصول والشرح، وذلك لاعتماد المعلم على إعطاء الدروس الخصوصية، للطلاب، وهذا ينعكس بالسلب على الطلاب غير القادرين على المشاركة فى الدروس الخصوصية أو المجموعات المدرسية، وذلك بحجة أن مرتبات المعلمين لا تكفل لهم عيش حياة كريمة. كما تعد واقعة الهروب الجماعى للمعلمين بمدرسة أحمد عرابى الإعدادية بالزقازيق من أعلى سور المدرسة، وذلك أثناء عمليات تصحيح الامتحانات، هى الأولى من نوعها، حيث إن الغريب فى الواقعة أن المعتاد فى المدارس هو هروب التلاميذ من فوق السور لكن هذه الواقعة تعكس سير المعلمين على درب التلاميذ، وهذا يشجع الطلاب على ممارسة الهروب المستمر من المدرسة وعدم حضور الحصص الدراسية.
وهناك أيضاً قائع الاعتداء الجسدى من قبل المعلمين والمعلمات على الطلاب، ومن أبرز تلك الاعتداءات اعتداء معلم على طالبة بأحد مراكز الدروس الخصوصية وإصابتها بجرح استلزم 45 غرزة، واعتداء معلمة على طالب بإحدى مدارس كفر الشيخ بسلك كهربائى مما أحدث إصابات بالغة لدى الطالب. فيما اعتدى مدرس حاسب آلى بمدرسة الأورمان الإعدادية الخاصة بمنطقة حدائق المعادى على طالب يدعى «يوسف محمد حسن» بالصف الثالث الإعدادى، بشكل جنونى، وبعنف شديد، داخل المعمل أثناء امتحان الحاسب الآلى. وأمسك المدرس ويدعى عادل سلطان بالطالب خارج المعمل وقام بالاعتداء بالضرب عليه أثناء وجود زملائه حوله، وحاول عدد من المدرسين بالمدرسة تخليص الطالب من بين يديه مرددين «كفاية ممكن يموت فى إيدك».
كما أن هناك أشكالاً لمخالفات المعلمين وهى حالات ضعف أداء المعلمين، وغياب بدون عذر، وتأخر بدون عذر وانصراف بغير إذن، وخلافات بين المعلمين، وعدم تقبل المعلمين لتوجيهات مدير المدرسة، وحالات رفض المعلمين ما يسند إليهم من مهام من قبل مدير المدرسة، ومخالفات ضرب ومعاقبة الطلاب، والمخالفات الإدارية والفنية والسلوكية التى تحدث من المعلمين وتتضمن التحرش أو التبادل الإلكترونى بذلك أو الكلام الفاحش، ومخالفات المخدرات والمسكرات التى وقعت من المعلمين، إلى جانب مخالفات المعلمين المتعلقة بالاختبارات كتسريب الأسئلة أو زيادة أو نقص الدرجات أو التقويم المستمر.
وأصدرت وزارة التربية والتعليم تعليمات وتوجيهات للمعلمين ومنها أن يبتعد المعلم عن مواطن الشبهة، وأن يكون قدوة حسنة داخل المدرسة وخارجها، وألا يتدخل فى أى مشكلة تخص الطالب مهما كان الأمر، وإحالة ذلك لمدير المدرسة.
وقال أحمد سعيد، طالب بالصف الثالث الإعدادى، بإحدى مدارس العمرانية، إن المعلمين لا يهتمون بشرح الدروس داخل الفصل، مشيراً إلى أن المعلم يشجعهم على أخذ الدروس الخصوصية.
وأكدت أسماء جمال، طالبة بالصف الثالث الثانوى بمدرسة الثانوية بنات بالبدرشين، أنها قامت بملء الاستمارات الورقية والإلكترونية لامتحانات الثانوية العامة خلال الأسبوع الحالى، مشيرة إلى أنه لا يوجد أى معلم فى المدرسة ملتزم بشرح الدروس داخل الفصول، قائلة: «كل معلم يدخل الفصل يقول اهتموا بالدروس الخصوصية علشان تجيبوا درجات كبيرة فى الثانوية العامة».
وقال أحمد عمر حسين، ولى أمر أحد طلاب الثانوية العامة، إن المعلمين هم السبب الرئيسى فى تدهور العملية التعليمية فى مصر، مشيراً إلى أنهم لا يهتمون بشرح الدروس داخل المدرسة، كما أنهم يشجعون الطلاب على الذهاب إلى مراكز الدروس الخصوصية، موضحاً أنه لا بد من وضع قانون رادع لمواجهة الدروس الخصوصية.
وطالب «حسين» الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، بالمرور على المدارس بصفة دورية للوقوف على حقيقة سير اليوم الدراسى داخل المدارس ومتابعة الغياب والحضور الخاص بالطلاب والمعلمين، ومعاقبة كل من يتخاذل فى مهام عمله، مشيراً إلى أنه لا بد من تجريم الاعتداء بالضرب على الطلاب.
وأشار «حسين»، إلى أن احتلال مصر المركز قبل الأخير فى مجال التعليم، يدل على أن القيادات المسئولة عن منظومة العملية التعليمية فى مصر ليست لها رؤية واضحة فى تطوير المدارس والمناهج، وتطوير المنظومة بشكل عام حتى تحتل مصر مركزاً متقدماً بين الدول الأولى فى مجال التعليم، موضحاً أن التعليم هو القاطرة الأساسية فى تقدم الأمة، مطالباً بتطوير المناهج الدراسية لاعتمادها على الخيال العلمى والابتكار وليس الحفظ والتلقين.