«ألعوبان» على كل «الثغرات»
وقفة المحامين أمام مكتب النائب العام «صورة أرشيفية»
«كلنا فاسدون».. تلك المقولة التى نطق بها الفنان الراحل أحمد زكى فى فيلم «ضد الحكومة» أثناء مرافعته أمام هيئة المحكمة عندما اكتشف أن ابنه أصيب بشلل كامل فى حادث سير وطلب محاكمة الحكومة وليس السائق المتورط فى الحادث فقط.. وظهر «زكى» فى الفيلم، وهو يمارس مهنة المحامى الفاسد المزوّر وتطرّق إلى الفساد الذى ضرب جذور مؤسسات الدولة وجميع شرائح المجتمع.
المحامى المهم أن تبقى «العيشة مرتاحة» بعضهم يؤدى دور أحمد زكى فى النصف الأول من فيلم «ضد الحكومة» لكسب الأموال بطرق مشروعة أو غير مشروعة
لم يكن الفنان الراحل ينطق بتلك الكلمات عبثاً، بل كان أقرب إلى جرّاح فى يده مشرط يفتح القرحة التى يعانى منها المجتمع من أجل تضميد الجراح، لكن للأسف لم يلتفت جموع المحامين إلى رسالة هذا الفيلم، حيث ظهر عدد ليس بالقليل من المحامين فى أبشع صور الفساد والتزوير من أجل تحقيق مكاسب شخصية، فتجد عدداً من المحامين يقوم بتزوير مستندات بعض القضايا ويستعينون بشهود زور من أجل تحقيق انتشار واسع لأسمائهم بين زملائهم وكسب سمعة بأنه يكسب جميع القضايا ويحصل على أحكام لصالحه، فضلاً عن تحقيق مكاسب مالية.
وحكايات المحامين فى الفساد لا تنتهى، ففى البحيرة ألقى القبض على محامٍ يتزعّم عصابة مكوّنة من سكرتير بالمحكمة وأمين شرطة، وكانت مهمة هذا المحامى جلب القضايا الجنائية وغيرها من قضايا الجنح التى يكون أصحابها موقفهم ضعيفاً فيها، والاتفاق معهم على دفع مبالغ مالية كبيرة نظير حصولهم على البراءة، بينما تكون مهمة السكرتير هى تزوير أحكام القضاء عن طريق مسح الأحكام الصادرة عن القضاة والمكتوبة بالقلم الرصاص، ثم كتابة أحكام بالبراءة بديلة لتلك الأحكام، وعندما زاد الإقبال على هذا المحامى وعُرف بين أبناء قريته بتلك الحيلة تمكنت المباحث من ضبطه مع أفراد عصابته.
الجرائم المتهم فيها محامون كثيرة، ومنها ما كشفته مباحث مرور أسيوط من القبض على شخصين، أحدهما محامٍ، بتهمة تزوير شهادة محو الأمية بغرض استخراج رخصة قيادة، وعُثر بحوزة المحامى المتهم على شهادتى محو أمية مزورتين، مدون عليهما بيانات كل منهما ومنسوب صدورهما إلى مدرسة الجلاء بأسيوط قطاع بحرى، وبمواجهة المحامى بما أسفر عنه الضبط، أقر بأنه حصل على الشهادتين نظير دفع مبلغ 2200 جنيه من سكرتير فى مدرسة حكومية لاستخراج رخصة قيادة من إدارة المرور لاثنين من موكليه.
محامون: ضعاف الأنفس يستغلون مظلة النقابة للتزوير والتدليس والكذب «عشان الفلوس» و«قطرى»: أعمل محامياً منذ 8 سنوات عقب خروجى من الشرطة ووجدت أن «الضباط جنب المحامين ملايكة»
وفى دمياط أصدرت النيابة العامة أمراً بضبط وإحضار محامٍ متهم بتزوير مستندات فى القضية رقم 5237 إدارى مركز دمياط، لاتهامه بالتزوير فى محضر جلسة وحضوره أمام القاضى، مدعياً حصوله على توكيل من المجنى عليه مقابل 40 ألف جنيه حصل عليها من المتهم، لإنهاء الخصومة فى قضية منظورة أمام محكمة الجنح مستأنف مركز دمياط، وتبيّن بعد انتهاء القضية بالتصالح بظهور الضحية وتقديمه تظلم على انتهاء القضية بالتصالح مقدماً جميع المستندات والأوراق التى تُثبت صحة أقواله وعدم توكيله لأى محامٍ للتنازل عن القضية.
الجرائم التى تنظرها جهات التحقيق، سواء كانت النيابة العامة أو ساحات المحاكم، بتورّط محامين فيها، كثيرة، حيث ألقت الأجهزة الأمنية ببورسعيد القبض على تشكيل عصابى مكون من 3 أشخاص، تخصّص فى الاستيلاء على الكثير من الوحدات السكنية الخاصة بمشروعات إسكان المحافظة وبعض جمعيات الإسكان ببورسعيد، بعد أن أثبتت تحريات قسم مكافحة جرائم الأموال العامة بمديرية أمن بورسعيد أن زعيم العصابة محامٍ يُدعى «س. م»، وضمّت العصابة عاطلاً وسمسار عقارات، مستخدمين فى عملياتهم تقليد وتزوير محررات رسمية منسوباً صدورها إلى مكتب توثيق الشهر العقارى داخل وخارج بورسعيد، وبتقنين الإجراءات تم ضبط المتهمين الثلاثة، وبحوزة الأول عدد من التوكيلات مذيّلة ببصمة أختام شعار الجمهورية الخاصة بمصلحة الشهر العقارى والتوثيق ببورسعيد.
ولم تخلُ محكمة أو نيابة من وجود قضية متورط فيها محامٍ بالتزوير، ففى الإسكندرية ضبطت أجهزة الأمن مقاولاً ومحامياً زوّرا إيصالات أمانة لشخصين، لاتخاذها وسيلة للضغط عليهما، للتنازل عن شقتين مستأجرتين بعقار ملك المقاول، بعد ورود معلومات إلى قسم مكافحة جرائم الأموال العامة، من كل من «محمود. ع. ا»، 46 سنة، عامل، و«حمدى. م. غ»، 39 سنة، موظف، و«محمود. ا. م»، 56 سنة، مقاول، و«أيمن. ا. ق»، محامٍ، لقيام المتهمين باصطناع إيصالات أمانة منسوبة إلى المبلغين، تفيد -على خلاف الحقيقة- بأنهما مدينان بمبالغ مالية لأشخاص وهميين، وأن المتهمين استخدموا تلك الإيصالات فى رفع دعاوى قضائية وتمكنا من استصدار أحكام قضائية ضدهما بالحبس، لاتخاذها وسيلة للضغط عليهما، للتنازل عن شقتين مستأجرتين بعقار ملك المشكو فى حقه الأول، كائن بمنطقة الحضرة بدائرة قسم شرطة باب شرق. وأكدت التحريات صحة البلاغ، وقيام المتحرى عنه الأول بالاستعانة بالثانى، الذى قام باصطناع إيصالات أمانة بأسماء بعض موكليه المتوفين وبتاريخ لاحق على وفاتهم، واستخدامها فى رفع دعاوى قضائية ضد المبلغين، وتمكن من الحصول على أحكام قضائية ضدهما، وذلك لرغبة المتحرى عنه الأول فى إجبار المبلغين على إخلاء العقار المملوك له.
ويستغل عدد من ضعاف النفوس «روب المحاماة» فى التزوير وغيرها من الجرائم لتحقيق مكاسب، حيث قضت محكمة جنايات السويس الدائرة الثانية بالسجن 3 أعوام على محامٍ وموظف لقيامهما بتزوير توكيل رسمى بالتصرّف فى ممتلكات، تمهيداً لنقل الملكية إلى المتهم الثانى، حيث ألقت مباحث السويس القبض على محامٍ يُدعى «أشرف. ف. ز» وموظف آخر، لقيام المحامى بتزوير توكيل رسمى بالبيع والتصرّف فى الممتلكات للموظف، تمهيداً لنقل ملكية وحدة سكنية إليه بالباطل.
وشهدت محافظة الفيوم منذ عدة أشهر واقعة اتهم فيها المحامى «س. هـ»، بتهمة الاستعانة بشهود الزور فى القضايا أمام محكمة الأسرة ليشهدوا بأن خصومه حصلوا على جميع حقوقهم، وفى قضية طلاق لربة منزل فى مركز طامية بالفيوم، وقف هذا المحامى أمام محكمة الأسرة، واستند إلى أن موكله أعطى زوجته جميع حقوقها، واستند إلى شهادة لشخص يُدعى «أبوالنجا»، الذى أقسم أنه كان ضمن العمال الذين شاركوا فى تنزيل العفش وقائمة الزوجية من منزل الزوج حتى منزل زوجته وأهلها.
واستمر هذا المحامى وعدد من شهود الزور فى النصب والتزوير حتى كشف أمره أمام أحد القضاة فى دوائر الأسرة فى مركز طامية بالفيوم وقرّر التحفّظ عليه وإحالته إلى النيابة العامة للتحقيق معه بتهمة التزوير، ووصلت النيابة إلى باقى أفراد العصابة وقررت حبسهم.
المحامى محمود قطرى وضابط الشرطة السابق يرفض فى البداية لفظ «كلنا فاسدون»، مرجعاً انتشار الفساد فى الدولة إلى فساد الأحزاب عقب ثورة 1952، لافتاً إلى أن الفساد موجود فى كل عصر، ففى أيام الملكية كانت الألقاب تُباع فى عهد الملك فاروق.
وتابع «قطرى» أن عدداً من المحامين أصبحوا محترفين فى عمليات التزوير من أجل أن يُقال بين الناس إنه «محامى شاطر»، موضحاً أن عمله كمحامٍ عقب خروجه على المعاش من الشرطة، كشف له عن أن عدداً كبيراً من المحامين يسيئون إلى هذه المهنة، وأن ضباط الشرطة بجانب المحامين ملائكة.
وأوضح «قطرى» أن الدولة تساعد على الفساد، فمثلاً لا تدفع مستحقات الموظفين الخاصة بمتجمد الإجازات إلا بعد الحصول على أحكام قضائية، فهناك عشرات المحامين يتّخذون من تلك الأحكام وسيلة لتزوير أحكام أخرى لصالح موكليهم حتى يقصر الطريق أمامه، ليحصل على أتعابه التى يتفق عليها. وأضاف أنه لو قطعت الدولة الطريق على هؤلاء بصرف متجمد الإجازات تلقائياً ما دام القضاء يصدر فيها أحكاماً ولا يرفضها، لاستطعنا سد ثغرات الفساد فى قطاعات كثيرة، وليس المحامين فقط.
أما المحامى «س. ع»، فيقول إن المحامى يمارس المهنة عقب حصوله على ليسانس الحقوق، الأمر الذى يجعل صغار المحامين يبحثون عن المال من موكليهم، نظير اللجوء إلى مخالفات جسيمة، بعيداً عن ثوب المهنة وشرفه. وتابع أن انتشار جرائم التزوير واللجوء إلى الكذب والتدليس من جانب بعض المحامين يرجع أيضاً إلى أن المجتمع أصبح لا يستهجن تلك الجرائم وأصبحت السرقة مقبولة لدى الكثيرين، وأخذت الرشوة مسميات أخرى مثل «إكرامية».
من جانبه، يوضح المحامى «ص. ح» أن الشخصية التى جسّدها الفنان عادل إمام، وهى «حسن سبانخ»، كانت الأقرب إلى تجسيد الفساد بين عدد من المحامين الذين يلجأون إلى مثل هذه الأمور من التزوير والكذب والتدليس وتوصيل رسالة غير حقيقة عن نفسه بين عدد كبير من الناس، حتى يعرف الناس عنه بالخطأ أنه محامٍ بارع ويلعب بالبيضة والحجر.
وأضاف أن شخصية «حسن سبانخ» ليست شخصية سينمائية خيالية، لكنها «واقع بنعيشه»، ويُجسّده عدد من المحامين يومياً فى عملهم من أجل البحث عن الشهرة، وتزوير القضايا ليجمع مبالغ مالية كبيرة.