جزء رئيسى من طمس المعرفة والمضى فى ساقية الجهل خلال السنوات الماضية يتمثل من وجهة نظرى فى أمرين، أولهما هو عدم تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، والأمر الثانى هو حديث غير المختص وغير ذى معرفة أو اطلاع عن الموضوع الذى يتناوله، استبدلت المعلومة الدقيقة بالعبارات الرنانة، اُستبعد المنهج السليم لتقدير الموقف ووُضع مكانه لغة خطابة تصلح فى إذاعة مدرسية ليس أكثر ويتم تصديرها للناس على أنها رؤية.
وإذا كنا نتحدث عن السياسة الخارجية لمصر ونقدم تقدير موقف لها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد اقترابه من عامين فى المسئولية، ومناسبة الحديث هو جولته الآسيوية الأخيرة، التى تعرضت لقدر لافت من التعتيم والتزييف.
بداية، علينا أن نعى حقيقة راسخة وهى أن السياسة الخارجية لكل دولة فى العالم ثابتة، لأنها ترتبط بالجغرافيا السياسية لهذه الدولة، قد تختلف أولويات الحركة فى دوائرها المختلفة لكن تبقى حتى هذه الدوائر ثابتة، ومن هنا تعتبر السياسة الخارجية لكل دولة جزءاً رئيسياً من مجال أمنها القومى والدفاع عنه، مزيج من العمل العسكرى والاستخباراتى يتم بأدوات مختلفة للحفاظ على مصالح الدولة وتحقيق أهدافها.
وبالنظر إلى ملف السياسة الخارجية فى عهد الرئيس السيسى وفق المعطيات السابقة سنجد أن الرئيس تولى المسئولية بينما الدولة فى حالة انكشاف استراتيجى، أى تشكل كافة حدودها مصدر تهديد مباشر غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، وحصار دولى يرفض الاعتراف بإرادة المصريين فى ثورة 30 يونيو، ويغض الطرف عن مواجهة مصر مع الإرهاب، ومحيط إقليمى متشنج ومشتبك فى ملف مصيرى وهو ملف سوريا والمواجهة صريحة مع إرادة مختلفة ورؤى مختلفة للولايات المتحدة وحلفائها، وصورة قاتمة فى ملف مياه النيل والعلاقات مع إثيوبيا ووضع اقتصادى ضاغط وخانق.
وعليه اعتمدت الاستراتيجية المصرية الخارجية على الحركة فى كافة المحاور والدوائر دون إبداء أولوية على أخرى ولكن وفق خطوط عريضة منضبطة وتتمثل فى الآتى من وجهة نظرى:
1- شرح وجهة النظر المصرية والدفاع عنها والثبات عليها انتصاراً لإرادة ثورة يونيو.
2- إدراك خطورة الوضع الإقليمى وانعكاسه المباشر على مصر وتهديده لأمنها والحاجة إلى تنويع مصادر السلاح للقوات المسلحة، وعلينا هنا أن نتذكر استخدام الولايات المتحدة للمرة الأولى فى تاريخ العلاقات مع البلدين ورقة المساعدات العسكرية بعد ثورة يونيو للضغط على مصر.
3- التأكيد على محورية أمن الخليج العربى بالنسبة للأمن القومى المصرى.
4- إعادة الثقة للعلاقات المصرية الأفريقية واستعادة الحضور المصرى فى القارة الأفريقية وخلق لغة حوار صريحة مع إثيوبيا لتقليل حجم الخطر ودفعه إن أمكن.
5- الانطلاق نحو القوة الفاعلة على المسرح العالمى سواء سياسياً أو اقتصادياً وهنا أعنى الصين وروسيا واليابان.
6- وقف التدهور فى العلاقات مع الولايات المتحدة والإبقاء على قنوات الاتصال والمصالح التقليدية مع الثبات على ما تمت استعادته من مساحة رفض مصرية، التى تعمدت الولايات المتحدة طمسها بعد ثورة يناير، إذ عملت على التدخل المباشر فى القرار السياسى المصرى بداية من تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون إبان ثورة يناير عندما خرجت لتطالب الرئيس الأسبق مبارك بالرحيل أو ما كانت تفعله سفيرتهم السابقة آن باترسون عندما تحولت إلى مندوب سامى لاحتلال الإرادة المصرية من قبل واشنطن.
7- العمل بالتوازى على إنقاذ الاقتصاد المصرى وفتح شراكات جديدة له وتجديد ثقة المؤسسات الدولية فيه.
واليوم عندما ننظر إلى الصورة بتجرد سنجد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى والمنظومة العاملة فى ملف السياسة الخارجية المصرية نجحوا بامتياز فى تحقيق غايتهم وذلك من خلال رصد الآتى:
1- تحققت غاية تنويع مصادر السلاح وحدثت طفرة غير مسبوقة فى قدرات القوات المسلحة المصرية.
2- انتزعت مصر الاعتراف الدولى بثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو وأدرجت جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية فى مختلف دول العالم.
3- توقيع شراكة استراتيجية مع الصين وهو أمر ليس باليسير أن ترى دولة بحجم الصين أنك جدير بالشراكة.
4- التأكيد على مركزية مصر فى منطقة جنوب المتوسط وأصبح فى حكم المستحيل أن تتم أى ترتيبات فى ليبيا على وجه التحديد من الممكن أن تتجاهل مصر مع السيطرة الكاملة على المخاطر التى من الممكن أن تتعرض لها مصر.
5- ربط أمن الخليج العربى مع الأمن القومى المصرى مع التأكيد على استقلالية الموقف المصرى.
6- تمكنت مصر من الفوز بعضوية غير دائمة لمجلس الأمن الدولى بالتزامن مع فوزها بعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى، وهو ما يعنى أن الحضور المصرى فى القارة الأفريقية ليس رمزياً ولكنه محورى ولا يمكن إبعاده، وهى الغاية التى سعى إليها البعض وتحديداً جنوب أفريقيا بعد ثورة يونيو لكى تنفرد هى بموقع ممثل أفريقيا.
7- إعادة الثقة مرة أخرى فى العلاقات المصرية الإثيوبية بعد الخراب الذى تم عن عمد من قبل جماعة الإخوان الإرهابية، ووضع إطار قانونى ودبلوماسى حاكم للخلافات مع فتح المجال لشراكة حقيقية تتم بواسطة القيادة السياسية.
8- نجحت مصر فى إيقاف النزيف الذى تعرضت له العلاقة مع الولايات المتحدة مع الإبقاء على ثوابتها فى هذه العلاقة.
9- استعاد الاقتصاد المصرى قدراً من الثقة الدولية من خلال إجراءات إصلاحية مع الاعتراف باستمرار تأزم الموقف الاقتصادى.
هذا موجز قصير لجهد كثير بُذل يدركه أى منصف وأى مدقق وأى قارئ، وأهديه لمن يريد أن يعرف، لأن الكلمة مسئولية وأمانة، جولات السيسى الخارجية ليست فسحاً، ومنظومة السياسة الخارجية المصرية ليست عشوائية وتباشر وفق رؤية من خلال مؤسسات وأجهزة منضبطة تعمل بتفان للدفاع عن مصالح مصر وحماية أمنها القومى وحققت فى عامين إنجازاً حقيقياً يستحق الإشادة به.