أصابنى الذهول وأنا أطالع مقال الزميل عبدالناصر سلامة رئيس تحرير «الأهرام» فى عدد أمس الجمعة، ومصدر الذهول أن عبدالناصر سلامة بدأ مقاله بنقد موضوعى وصائب جداً للخطاب الذى ألقاه الرئيس محمد مرسى مساء الأربعاء الماضى، ووصفه بأنه أخفق فى الإجابة عن أسئلة عديدة، ولم يأت على مستوى طموح رجل الشارع، ولم يرض القوى السياسية، ولم يشف غليل الناخبين الذين أجابوا بـ«نعم» فى الاستفتاء على الدستور، وانتهت الفقرة الأولى من المقال بتحذير قوى وجهه الأستاذ سلامة إلى الرئيس مرسى: «إذا جاء خطاب الغد (السبت) كسابقه، فنحن أمام أزمة حقيقية على كل المستويات، إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً».
والحقيقة أننى استبشرت خيراً بهذه البداية القوية فقررت -على غير العادة- أن أكمل قراءة المقال، وما إن تقدمت قليلاً حتى اكتشفت الفخ المتين الذى نصبه الزميل للقارئ، والوصفة المهلكة التى اقترحها على الرئيس مرسى «الذى ينبغى أن يكون زعيم أمة وليس رئيس جماعة»، وتتلخص هذه الوصفة التى يقترحها الزميل على «الزعيم» فى إجراء أساسى يتكرر دائماً فى كل ما يكتبه، هو تحديداً «تجريم المظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية حتى لو كانت سلمية، لمدة عام كامل، حتى تستعيد الدولة عافيتها وأجهزة الدولة هيبتها».
ولأن الزميل «سلامة» حريص جداً على إقناع القارئ أولاً والرئيس مرسى ثانياً، بوجاهة اقتراحاته الكارثية -أو الفاشية تحديداً- فهو يسند رؤيته بأرقام ينسبها إلى وزير التعاون الدولى تذهب إلى أن «خسائر الاقتصاد المصرى فى 2012 فقط جراء الاعتصامات والإضرابات والمليونيات بلغت نحو 100 مليار جنيه، وهى بالطبع كارثة إذا استمرت الأوضاع بهذه الوتيرة التى لا تهدأ».
ولكن كيف سيتمكن «مرسى» من وقف أو تجريم التظاهرات والاحتجاجات السلمية وغير السلمية لمدة عام كامل؟
الإجابة ينثرها الزميل «سلامة» فى كل فقرات مقاله الفظيع، وهى لا تخرج عن تصرف واحد يلح عليه عبدالناصر سلامة فى كل ما يكتبه، يتمثل فى التالى: «فى هذه الظروف تحديداً، سوف أظل أؤكد أننا فى حاجة إلى إعلام بناء يعى طبيعة المرحلة، وينأى عن الإسفاف وإهانة رموز المجتمع، وإذا كانت هذه المهمة ثقيلة أو غريبة على إعلام خاص يعتمد على إنفاق ودعم رجال الأعمال وأحياناً على دعم خارجى، فهى إذن مهمة الدولة الرسمية التى يجب أن تضع حداً لهذا الوضع الذى أصبح أشبه بفواصل من (الردح) تارة، والافتراء تارة أخرى»، ولأن الزميل شديد الحرص على «وضع حد» -أو إقامة الحد على الإعلام المستقل- فهو يحذر مرسى من انهيار اقتصادى كارثى إذا استمرت بعض وسائل الإعلام فى العمل بهذه الوتيرة.
باختصار شديد الوضوح: الزميل الصحفى يطالب بتجريم التظاهر حتى لو كان سلمياً، وإطفاء أنوار وسائل الإعلام المستقل، حتى يتمكن الرئيس مرسى من التركيز ويصبح زعيماً للأمة، وليس مجرد رئيس جماعة.
والحقيقة أننى أتمنى من كل قلبى أن يقرأ «مرسى» مقال الأستاذ سلامة ويطبقه حرفياً: يتصدى بحسم للمتظاهرين السلميين ويغلق كل وسائل الإعلام المستقلة، ويعتقل كل الناشطين السياسيين لمدة عام كامل، وأنا واثق تماماً من أننا لن ننتظر 12 شهراً فى حضرة هذا الكابوس الفاشى، وخلال ثلاثة أشهر فقط سوف نصحو على مصر خالية تماماً من مرسى وجماعته ومكتب إرشاده وميليشياته السائبة فى الشوارع والفضائيات والصحف القومية، تشتم وتسب الجميع بأقذع وأوسخ الألفاظ، وتحرض الدولة الرسمية والجماعة غير الرسمية على تخريب منارات الوعى وإطفاء نورها الكاشف، وخلال هذه الشهور الثلاثة لا بأس أن يواصل الأستاذ سلامة جذب انتباه القراء إلى مانشيتات «الأهرام» شديدة الأهمية من عينة: «أراض جديدة فى 24 مدينة ومد الحجز للمصريين فى الخارج».. أما إذا قرأ جمهور «الأهرام» الخبر ووجدوه شديد التواضع ولا يصلح إطلاقاً لأن يكون فى الصفحة الأولى وليس المانشيت الرئيسى، فالمؤكد أن هؤلاء القراء أغبياء جداً ويستحقون تحريض الزعيم مرسى على استصدار تشريع حاسم يجبرهم على قراءة «الأهرام».. فإذا امتنعوا فإن جعبة الفاشية لا تعدم وسائل أخرى تجعلهم يقرأون مقالات عبدالناصر سلامة وهم صاغرون، فقط لمدة ثلاثة شهور!