لا يوجد فى النظام القانونى المصرى، حتى تاريخ كتابة هذه السطور، قانون لحماية الشهود والمبلغين والخبراء، برغم المخاطر الجسيمة التى يمكن أن يتعرض لها هؤلاء، لاسيما فى حالة الجرائم المنظمة ومنها الجرائم الإرهابية، وبالرغم من أن إصدار هذا القانون يشكل التزاماً دولياً وضرورة وطنية فى آن واحد.
وسنخصص هذا المقال لبيان أوجه التزام مصر دولياً بإصدار وتطبيق قانون حماية الشهود، ثم نتحدث فى مقال لاحق عن أوجه الضرورة الوطنية الداعية لاستصدار مثل هذا القانون.
ومصادر الالتزام الدولى بحماية الشهود متعددة.. فمن ناحية أولى، وبموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 294 لسنة 2003 بشأن الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، أصبحت مصر ملتزمة بأحكام الاتفاقية واتخاذ التدابير التشريعية والإدارية اللازمة لتنفيذ هذا الالتزام. وطبقاً للمادة 24 من الاتفاقية، ينبغى على كل دولة طرف أن تتخذ تدابير ملائمة فى حدود إمكانياتها لتوفير حماية فعالة للشهود الذين يدلون فى الإجراءات الجنائية بشهادة بخصوص الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية، وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص الوثيقى الصلة بهم، حسب الاقتضاء، من أى انتقام أو ترهيب محتمل. ولتوفير هذه الحماية، ينبغى على الدولة الطرف وضع قواعد إجرائية لتوفير الحماية الجسدية لأولئك الأشخاص، كالقيام مثلاً، بالقدر اللازم والممكن عملياً، بتغيير أماكن إقامتهم، والسماح عند الاقتضاء بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم وأماكن وجودهم أو بفرض قيود على إفشائها. كذلك، ينبغى على الدولة الطرف توفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح الإدلاء بالشهادة على نحو يكفل سلامة الشاهد، كالسماح مثلاً بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات، ومنها مثلاً وصلات الفيديو أو غيرها من الوسائل الملائمة. ويتعين على الدول الأطراف أن تنظر فى إبرام اتفاقات أو ترتيبات مع دول أخرى بشأن تغيير أماكن إقامة الأشخاص المذكورين فى الفقرة (1) من هذه المادة. وتنطبق أحكام هذه المادة كذلك على الضحايا من حيث كونهم شهوداً. وطبقاً للمادة 25 من الاتفاقية ذاتها، وتحت عنوان «مساعدة الضحايا وحمايتهم»: 1- تتخذ كل دولة طرف تدابير ملائمة فى حدود إمكانياتها لتوفير المساعدة والحماية لضحايا الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية، خصوصاً فى حالات تعرضهم للتهديد بالانتقام أو للترهيب.
2- تضع كل دولة طرف قواعد إجرائية ملائمة توفر لضحايا الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية سبل الحصول على التعويض وجبر الأضرار.
3- تتيح كل دولة طرف، رهناً بقانونها الداخلى، إمكانية عرض آراء الضحايا وشواغلهم وأخذها بعين الاعتبار فى المراحل المناسبة من الإجراءات الجنائية المتخذة بحق الجناة، على نحو لا يمس بحقوق الدفاع.
ومن ناحية أخرى، وبموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 307 لسنة 2004 بشأن انضمام حكومة جمهورية مصر العربية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أصبحت مصر إحدى الدول الملزمة بأحكامها. وقد أكدت المادة 25 من الاتفاقية على حماية الشهود والخبراء والضحايا، بنصها على التزام كل دولة طرف باتخاذ تدابير مناسبة، وفقاً لنظامها القانونى الداخلى، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعالة للشهود الذين يدلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرمة وفقاً لهذه الاتفاقية، وكذلك لأقاربهم ونظائر الأشخاص وثيقى الصلة بهم عند الاقتضاء من أى انتقام أو ترهيب محتمل، كما شملت هذه الاتفاقية التدابير الواجب اتباعها لهذه الحماية. وتحت عنوان «حماية المبلغين»، تنص المادة 33 من الاتفاقية ذاتها على أن «تنظر كل دولة طرف فى أن تُدخل فى صلب نظامها القانونى الداخلى تدابير مناسبة لتوفير الحماية من أى معاملة لا مسوغ لها لأى شخص يقوم، بحسن نية ولأسباب وجيهة، بإبلاغ السلطات المختصة بأى وقائع تتعلق بأفعال مجرمة وفقاً لهذه الاتفاقية».
وباستقراء تجارب الدول الأجنبية فى هذا الشأن، لوحظ أن العديد منها أصدرت تشريعات لحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، كما هو الشأن فى القانون المغربى رقم (37.10) فى شأن حماية الضحايا والشهود من الخبراء والمبلغين، والقانون الفرنسى رقم (1062 - 2001) الصادر فى 15 نوفمبر 2001 بإضافة فصل عن حماية الشهود إلى قانون الإجراءات الجنائية، والقانون الكندى المعمول به اعتباراً من أول يونيو 2009 بشأن برنامج حماية الشهود.