أثارت دعوة د. عصام العريان لليهود الذين هاجروا من مصر بالعودة إلى أحضان الوطن اللغط والجدل، حيث اتهمه البعض بأنه يستغل هذه الدعوة فى الهجوم على عبدالناصر، واتهمه آخرون بأنه سيفتح على مصر أبواب جهنم فى التعويضات التى لا بد أن تدفع لهؤلاء المطرودين. وبغض النظر عن سذاجة الدعوة وجديتها وهل هى رسالة تطمين سياسية أم دعوة جدية؟ لا بد أن نجيب عن سؤال سمعته من شباب صغير عندما استمع إلى العريان وهو هل كان هناك يهود فى مصر؟ والإجابة نعم، وكانوا مصريين حتى النخاع، وكان منهم من يعشق مصر أكثر وأصدق من بعض المسلمين الذين يعيشون بيننا الآن ولا يعترفون بالوطن ويقولون له «طظ»، ولإنعاش الذاكرة سأذكر بعض الأسماء باختصار:
· المحامى اليسارى يوسف درويش: الذى نذر حياته للدفاع عن العمال، والذى ظل يرتدى البدلة السوداء عاماً كاملاً حزناً على الزعيم سعد زغلول، واعتقل عدة مرات نتيجة دفاعه عن الغلابة، والذى كانت أمامه فرصة ذهبية للعيش فى فرنسا ولكنه كون مع والد د. حسين كامل بهاءالدين جمعية لمقاومة الاحتلال، وظل برغم كل المنغصات فى مصر حتى دفن فى ترابها الذى سكنه وعشقه.
· الفنانة الرائعة ليلى مراد: ابنة الملحن اليهودى زكى مراد وشقيقة الملحن خفيف الظل منير مراد، التى لا يجد التليفزيون المصرى أجمل من أغنية «يا رايحين للنبى الغالى» للعرض فى عيد الأضحى، كانت مصرية حتى النخاع، ولم يمنعها دينها اليهودى حتى قبل إسلامها من أن تنتمى إلى مصر قلباً وقالباً، برغم أن اتهامات مزيفة طالتها عن تبرعاتها لإسرائيل وغيرها من الإشاعات ولكن لم يصدقها مصرى واحد لأنها كانت معشوقة الجماهير.
· يوسف أصلان قطاوى باشا: لا يكاد يتذكر مصرى أن هناك يهودياً اسمه يوسف قطاوى عين وزيراً للمالية فى وزارة زيور باشا (نوفمبر 1924 - مارس 1925)، ثم أصبح وزيراً للمواصلات سنه 1925، وفى سنة 1923 انتُخب عضواً فى مجلس النواب عن دائرة كوم أمبو، وعضواً فى مجلس الشيوخ من 1927 إلى 1936، بل اشترك سنه 1920 بالتعاون مع طلعت حرب ويوسف شيكوريل فى تأسيس بنك مصر.
· داود حسنى: ملحن مصرى حتى النخاع، ترك المدرسة ليعمل فى مكتبة الشيخ سكر لتجليد الكتب، الذى كان من المتحمسين لحلقات الذكر، وسمح الشيخ سكر لداود بالغناء أثناء عمله بالمكتبة، وحدث عن طريق المصادفة أن الشيخ محمد عبده عند حضوره إلى مكتبة الشيخ سكر، وما إن سمع داود وهو يغنى أثناء عمله فى المكتبة قال للذين حوله إن هذا الشاب سـيكون له نصيـب وافر فى عالم الفن والغناء، ويكفى أنه صاحب «أسمر ملك روحى» و«البحر بيضحك ليه» المغرقة فى المصرية.