تثار فى كل عام فتنة تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وقد أفتى الأكابر أمثال الشيخ محمد الغزالى والشيخ الشعراوى والشيخ الطيب والشيخ جاد الحق والشيخ عمر هاشم والشيخ على جمعة والشيخ عبدالحليم محمود، ومن ورائهم مجمع البحوث بجواز التهنئة، وأفتى الصغار بالتحريم، فاستجاب المصريون لكلام الأكابر على مر التاريخ وهنئوا إخوانهم بالعيد.
يقول الشيخ القرضاوى فى الحكم الشرعى للمسألة: «فتوى تحريم تهنئة المسيحيين تتنافى مع تغير الأوضاع، وطالما كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصاً من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران فى المسكن، والزملاء فى الدراسة، والرفقاء فى العمل، فهو من البر الذى لم ينهنا الله عنه، بل يحبه، ولا سيّما إذا كانوا هم يهنئون المسلمين بأعيادهم، والله تعالى يقول: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}.
فيجب مراعاة مقاصد الشارع، والنظر إلى النصوص الجزئية فى ضوء المقاصد الكلية، والربط بينها، وإن كثيراً من المشايخ يعيشون فى الكتب لا فى الواقع، بل هم غائبون عن فقه الواقع، وفقه الواقع غائب عنهم، لأنهم لم يقرأوا كتب الحياة، ولهذا تأتى فتواهم وكأنها خارجة من المقابر!». انتهى.
يقول الشيخ الشريف حاتم العونى، فى خلاصة بحث له مهم ودقيق: «إن الأصل فى التعامل مع غير المسلم غير المعتدى هو الإحسان، كما فى قوله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ }.
ومن لطيف التعبير فى الآية الكريمة أنها جاءت بنفى النهى عن الإحسان والعدل، وليس بالأمر الصريح بهما، لأن الله تعالى يعلم أن الفطرة السوية تميل إلى حب الإحسان والعدل مع غير المعتدى، بغير حث ولا تشجيع، فجاء التعبير بعدم النهى، اكتفاءً بدلالة الفطرة على حب هذا الفعل الفاضل.
وأما دعوى الإجماع على تحريم مطلق تهنئة غير المسلمين بأعيادهم فهى دعوى مستغربة، لعدم ورود نص فيها يلزم التسليم له، ما يدل على أن الإجماع المنقول إذا تحقق فلا بد أن يكون مستنداً إلى أصول شرعية عامة، وقواعد يقينية معلومة، وليس حكماً تعبدياً لا نعرف له علة ولا حكمة.
إن تحقيق الإجماع كما أنه سياج مهم يحمى الشريعة من تطاول شطحات الاجتهاد، خاصة عند شيوع الجهل واتخاذ الرؤوس الجهلاء، إلا أن السماح لدعاواه التى لا دليل عليها يفتح مجال التشريع بما لم يأذن به الله، ويضيف إلى مصادر التشريع مصدراً لا علاقة له بالوحى ولا بمصادر التشريع المجمع عليها.
وليس يوجد نص من كلام الصحابة والتابعين وتابعيهم، حتى ننظر هل هناك قول صحيح ومشتهر لهم فى المسألة.
أما المطالبة بإيجاد نص عن السلف بالإباحة مع عدم وجود نص عنهم على التحريم، فهو جهل بطرائق الاستدلال، لأن على مدعى الإجماع البينة على دعواه، وإلا فستكون دعواه باطلة، وترجع المسألة بعد بطلان الإجماع إلى النصوص العامة وأصول الشريعة لاستخراج حكمها منها.
وهنا أنبه أنه لو كان هناك من حرم التهنئة من السلف، فمجرد الوجود لا يدل على حصول الإجماع؛ فإن عدم العلم بوجود من أباحها لا يدل على عدم وجوده فى الواقع، والقاعدة أن (عدم العلم لا يعنى العلم بالعدم)». انتهى كلامه.
إن المتشددين خلطوا بين تهنئة المسيحيين بأعيادهم وبين مشاركتهم فى إقامة الشعائر نفسها، ولهذا الخلط فإنهم نفثوا سموماً سموها شرعاً، ومزقوا المجتمع باسم الحفاظ على الإسلام.