التراجع هو إحدى سمات أداء الرئيس. والتراجع هنا هو نتيجة طبيعية للخطاب الإنشائى الفضفاض والمراوغ والمتناقض للرئاسة. تراجَع مرسى المرشح عن وعوده بأنه لن يسير فى مواكب أمنية تعطل المرور وتبدد موارد الدولة، وأن بابه مفتوح لكل مواطن، وتراجَع أيضاً عن وعوده التى أطلقها للثوار فى اجتماع «الفرمونت» الشهير، فلم يعدل من تشكيل «التأسيسية» ولم يحقق التوافق كشرط لطرح الدستور للاستفتاء.
وتراجع مرسى الرئيس فأدى القَسم أمام المحكمة الدستورية، وبالغ فى الإشادة بدورها، وكرّم رئيسها، ثم حل مجلس الشعب وتراجع، وأقال النائب العام أول مرة، ثم أعاده، وأكد أنه لن يستخدم سلطاته التشريعية لكنه تراجع وأصدر الإعلان الدستورى.. وتراجع، وأعلن فى الجريدة الرسمية عن زيادة الضرائب ثم تراجع. الأمثلة كثيرة عن تراجعات مرسى المرشح والرئيس، حتى يمكن القول إن الرجل أدمن التراجع!! إدمان لا يعكس فقط سمات شخصية للرئيس، بل غياب الرؤية وقلة الخبرة فى إدارة أمور الدولة واتخاذ القرار، مما يؤثر ولا شك فى مكانة مؤسسة الرئاسة ومصداقيتها فى الداخل والخارج، لأن التراجع السريع عن الوعود والقرارات، وبدون تفسير أو تبرير قد يعنى أربعة احتمالات:
الأول: الرئيس لم يدرس جيداً ما يصدره من قرارات.
الثانى: الفريق الرئاسى متواضع الأداء بحيث إنه يسىء لمقام أول رئيس منتخب من خلال اقتراح قرارات تخالف القانون وتتعارض مع المطالب والحقوق المشروعة للجماهير.
الثالث: أن القرارات أو الوعود تملى على الرئيس وقد يصدر بعضها دون علمه كما حصل فى قرارات زيادة الضرائب على بعض السلع والخدمات.
الرابع: الرئيس لديه القدرة على تصحيح أخطائه، فالرجل يتعلم ويطور من قدراته، وأدائه، وعندما أطلق وعوداً عريضة للناخبين والثوار لم يكن يعرف تفاصيل السياسة والحكم وطبيعة مشكلات الدولة، لذلك تراجع عن وعوده.
الاحتمالات الأربعة، كلها أو بعضها، قد تفسر كثرة وتنوع تراجعات الرئيس، لكن تبقى مشكلة الثقة والمصداقية فى وعود وقرارات الرئاسة، لأن الرئيس مرسى فى كل مناسبة تراجع فيها لم يقدم تفسيراً مقنعاً للناس وللقوى السياسية، ولم يعتذر عن الانقسام والارتباك الناجم عن تراجعه، بل كان الرئيس يلوذ بالصمت رغم كثرة أحاديثه وخطاباته الإنشائية الوعظية، ولم يوضح الرئيس للشعب الأسباب التى دفعته للتراجع والموافقة على قرض صندوق النقد، أو التحرك فى مواكب وحشود أمنية، وما تفاصيل المؤامرة التى دفعته لإصدار الإعلان الدستورى؟ ثم لماذا تراجع عنه؟ باختصار الرئيس مثل أى سياسى قد يتراجع عن بعض القرارات أو الوعود الانتخابية لكن ليس بهذه الكثرة والسرعة، لكن عليه أن يفكر: هل كانت تراجعاته للصالح العام. إن من حق الشعب عليه أن يعرف لماذا تراجع، وفى أى سياق وتحت أى ضغوط، أما الصمت وافتراض أن الشعب ذاكرته ضعيفة، أو أن الرئيس لا يُسأل عما يفعل.. فهذه أمور غير مقبولة وتعيد إنتاج الاستبداد وتعميم سياسة السمع والطاعة.
الأخبار المتعلقة:المتراجع.. تراجع عن 6 قرارات خلال 6 شهور والدم سال على «أبواب القصر»فى السينما.. «كلمتى لا ممكن تنزل الأرض أبداً تنزل المرة دى.. إنما المرة الجاية...»د.يسرى عبدالمحسن يحلل: ارتباك «الرئيس» سيد الموقف