مشكلة «الإخوان» أن أفق نظرتها للإسلام يضيق ليراه -فى الأغلب- من زاوية «التجارة». وربما كان ذلك جانباً أساسياً من جوانب «الفهم الصحراوى» للإسلام كما تتبناه الجماعة. وما أكثر ما تسمع على لسان «الإخوانجية» حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «تسعة أعشار الرزق فى التجارة». وهو حديث ضعيف كما تقول الكتب الثقات، لأنه ينتصر بصورة غريبة للنشاط الاقتصادى الذى ارتكزت عليه مكة المكرمة، فى حين أن نشاط المدينة كان قائماً على الزراعة. وحديث «تأبير النخل» خير شاهد على ذلك، عندما جاء أحد المسلمين من أهل المدينة يسأل النبى فى موضوع تأبير النخل (أى شكشكة النخل بالإبر)، فما كان من النبى إلا أن قال له قولته الشهيرة: «أبّروا أو لا تؤبّروا أنتم أعلم بشئون دنياكم».
وقد كان صعود كبار التجار من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم إلى سدة الحكم إيذاناً بالتخلى عن الكثير من القيم الإسلامية التى ترسخت فى عهد النبى ثم الشيخين: أبى بكر وعمر، ولم يكن الثلاثة من طبقة الأغنياء التى تستثمر مالها فى العمل التجارى، بل مارسوا التجارة كوظيفة سائدة فى مجتمعهم ليس أكثر. فقد بدأت أحداث الفتنة والاقتتال بعد أن صعد عثمان رضى الله عنه إلى موقع الخلافة. وقد أدت سياساته -المحكومة بشخصيته كتاجر مال- إلى اشتعال الثورة ضده فى عدد من الولايات الإسلامية، وانتهى الأمر باغتياله، ليتولى الخلافة من بعده «على بن أبى طالب»، وكان اختيار «على» متسقاً مع اشتعال الرغبة لدى المسلمين فى العودة إلى قيم النبوة وخلافة الشيخين، ولم يرض معاوية بن أبى سفيان بذلك (وهو ينتمى إلى واحدة من كبريات العائلات التجارية المكية)، فرفض بيعة «على»، وقاتله، حتى انتهى أمر الخلافة إليه، بعد اغتيال «على»، ليتأكد دخول الإسلام مرحلة الحكم طبقاً لقيم التجارة والتجار.
والتاريخ يذكر أن عثمان بن عفان رضى الله عنه، اشتهر -أثناء خلافته- بالمضاربة وشراء الطعام، وسيطر على التجارة البحرية والتجارة البرية، ولم يتردد عن استخدام أموال «بيت مال المسلمين» فى استثماراته، على سبيل القرض، وقد نشأ خلاف بينه وبين خازن بيت المال حينئذ: «عبدالله بن الأرقم»، حين قال للخليفة: «أدِّ المال الذى استلفت»، فأجابه عثمان: «ما أنت وهذا؟ ما أنت إلا خازن لنا»، فاضطر «ابن الأرقم» إلى ترك بيت المال، وخصص «عثمان» أسواقاً بأكملها للمقربين منه، ليكون لهم الحق فى الاستيلاء على ربح «عشر» ما يبيعه كل تاجر يعمل فى هذه السوق. ولو أنك راجعت الكثير من معطيات الواقع الحالى فى ضوء تلك السنن التى استنها «عثمان»، فسوف تدرك معنى ومبنى «الملك» الجديد الذى يريد الإخوان تأسيسه على «التجارة».. وليس على العدل!