التعديل الوزارى الأخير أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الإخوان المسلمين وحزبهم وحكومتهم قد عقدوا العزم الأكيد على تزوير الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة أن هذا التعديل الوزارى لم يكُن له أى داعٍ، فلن يتحقق الرخاء والقضاء على متاعب المواطنين فى شهرين هما عمر الحكومة الحالية التى ستتقدم باستقالتها بعد انتخاب مجلس النواب، ولكن المدة من الآن وحتى انتهاء الانتخابات شهران حاسمان فى إخراج الانتخابات بطريقة تضمن الأغلبية لحزب الحرية والعدالة فيجب لذلك إعداد مسرح العمليات.
وكما سبق أن قلنا فى مقال سابق، فإن تزوير الأساتذة من جماعة الإخوان المسلمين يختلف تماماً عن تزوير تلاميذ الحزب الوطنى، فالتزوير وفقاً لرؤية المدرسة الجديدة هو تزوير ناعم لا يكاد يشعر به المواطن وإنما يفاجأ بالنتائج.
فالحزب الوطنى كان يزور بغشم وفى وضح النهار وبطريقة مفضوحة وساذجة، كمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بالقوة المسلحة باحتشاد قوات الأمن المركزى أمام اللجان لمنع الناخبين، مما يؤدى لفضحهم أو ترهيب المواطنين باستخدام كافة الطرق بما فيها الكلاب البوليسية أو بتسويد بطاقات إبداء الرأى جهاراً نهاراً وحشرها فى الصناديق دون حياء أما الإخوان المسلمون فلا يلجأون لهذه الطرق البدائية.
فهم مثلاً قد استولوا على وزارات الخدمات التى لها اتصال مباشر بالناخبين لقضاء حاجاتهم وتنفيذ مطالبهم من خزينة الدولة، وليس بالطبع من خزينة حزب الحرية والعدالة أو جيوب أثرياء الإخوان، فهم يسيطرون حالياً على وزارات الإعلام والشباب والتموين والتنمية المحلية والمالية فضلاً عن تغيير وزير الداخلية المحايد والإطاحة به.
ولا يخفى دور كل من هذه الوزارات فى التأثير على حياة الناس، فوزير الإعلام يمكنه تسخير آلة الإعلام الرسمى من قنوات تليفزيونية وموجات إذاعية رسمية للترويج بطريقة غير مباشرة أحياناً وبطريقة مباشرة فى كثير من الأحيان، وهو يستطيع منع برامج تليفزيونية محددة ويمنع شخصيات معارضة من الظهور على شاشات التليفزيون الحكومى، وهو ما حدث بالفعل ومعى أنا شخصياً، ويمكنه أيضاً التضييق على قنوات فضائية معارضة أو مستقلة بحجج بيروقراطية لا تخلو من استفزاز.
أما وزارة الشباب التى تسيطر على جميع مراكز الشباب على مستوى الجمهورية فى المحافظات والمدن والأحياء والقرى، فإن هذه الوزارة تستطيع توجيه أنشطة هذه المراكز لخدمة المشروع الإخوانى ونشر ثقافة أحادية الرؤية تدعم من مراكز المرشحين الإخوان بفتح مراكز الشباب لهؤلاء المرشحين، سواء لإقامة أنشطة رياضية أو ثقافية أو رحلات أو محاضرات وتقديم خدمات للشباب، بتنظيم دورات فى اللغة أو الحاسب الآلى أو حتى المجموعات الدراسية لمتبرعين من جماعة الإخوان المسلمين، ولا شك أن كل هذه الأنشطة مشروعة ومطلوبة، ولكن إذا استُخدمت -وهى ملك للشعب كله- لتحقيق أغراض فصيل سياسى أو حزب أو جماعة فهذا هو الخلل والتزوير بتزييف إرادة جماهير الناخبين من أموال الشعب، والعجيب أن وزير الشباب طبيب أطفال ولا ندرى كفاءته فى مجال وزارته، ولكن يكفى أنه ينتمى لجماعة الإخوان.
أما وزارة التموين فهى التى تتحكم فى السلع التموينية لاحتياجات المواطنين، خاصة البسطاء منهم، من زيت وسكر وأرز ومكرونة.. إلخ، فبدلاً من أن تدفع جماعة الإخوان المسلمين أثمان هذه السلع من ميزانيتها كما كانت تفعل فى جميع الانتخابات السابقة، ها هى الدولة ستقوم بهذا الدور من ميزانيتها وعلى حساب الشعب كله، ولن يكلف الأمر أكثر من زيادة منافذ التوزيع، خاصة فى الأحياء الفقيرة وتخفيف العبء مؤقتاً عن المواطنين فى سبيل الحصول على هذه السلع الأساسية إلى حين الانتهاء من الانتخابات وعندها يكون لكل حادث حديث.
وقد تولى وزارة التموين الوزير باسم كمال الذى كان مسئولاً عن ملف الوقود فى برنامج رئيس الجمهورية، وهو مقرر لجنة التنمية المحلية لحزب الحرية والعدالة وعضو الأمانة المركزية للتخطيط والتنمية بـ«الحرية والعدالة» وأمين لجنة التخطيط بقطاع القاهرة الكبرى، أما مؤهلاته فهى تناسب تماماً منصبه، إنه دكتور مهندس فى قسم الهندسة التطبيقية بهندسة القاهرة واستشارى الهندسة الطبية وتكنولوجيا الرعاية الصحية، ولا تسألنى عن صلاحية هذه المؤهلات لتولى وزارة التموين، فيكفى أنه من جماعة الإخوان المسلمين وقد عُين وزيراً لتنفيذ ما سيُملى عليه لحساب مشروع التمكين.
أما وزارة التنمية المحلية -وما أدراك ما التنمية المحلية- فقد اُختير لها الدكتور محمد على بشر، محافظ المنوفية السابق، وهو عضو بارز فى مكتب الإرشاد، وتمكن من تحويل الدفة والبوصلة الانتخابية لمحافظة المنوفية، فبعد اكتساح الفريق أحمد شفيق لهذه المحافظة فى انتخابات الرئاسة بأكثر من 75% من الأصوات فى مرحلة الإعادة، عيَّنه الرئيس مرسى محافظاً لهذه المحافظة، فاستطاع خلال أشهر خفض النسبة المعارضة للإخوان إلى أقل من 52% من أصوات الناخبين.
وغنى عن البيان أن وزارة التنمية المحلية هى التى تمد العملية الانتخابية بالوقود الدافع لها من موظفين إداريين وموظفى المحليات، فضلاً عن سيطرة الوزارة على المحافظين ورؤساء المدن ورؤساء الأحياء ومهندسيها بما يتيح للإخوان السيطرة غير المباشرة على العملية الانتخابية، سواء أثناء المعركة الانتخابية أو أثناء الاقتراع بتوجيه الناخبين إلى اتجاه معين مع ضمان السلامة لهم من أى مؤاخذة.
أما وزارة المالية فهى التى ستوفر الاعتمادات اللازمة فى مرحلة الانتخابات لكل هذه الوزارات لضمان أن تؤدى دورها على الوجه الأمثل لتنفيذ الإرادة الإخوانية.
أما وزير الداخلية السابق اللواء أحمد جمال الدين فلم يكن أداؤه مرضياً لجماعة الإخوان المسلمين، فكيف يقف محايداً أمام قصر الاتحادية؟ وكيف لا يُقحم الشرطة فى معارك مع المتظاهرين ضد الرئيس؟ وكيف يقصر فى حماية مقرات الإخوان المسلمين ولا يشتبك أو حتى يقتل من تطاوعه نفسه بالاعتداء عليها؟ وكيف يتم القبض على حارس المهندس خيرت الشاطر؟ وكيف يُغضب الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل ويوجه لأنصاره الاتهام فى اقتحام حزب الوفد؟.
فلو استمر هذا الوزير فلن يكون متعاوناً مع الإخوان وربما تواتيه الجرأة فى القبض على بعض ممن سيثيرون الشغب أمام بعض اللجان فى المناطق التى تقل فيها شعبيتهم.
إذن لا بد من الإطاحة به وسيتعلم الوزير الجديد من رأس الذئب الطائر أياً كانت قناعاته أو توجهاته.
كل ما سبق يتعلق بالجناح التنفيذى، أما الجناح التشريعى فهو مضمون بعد أن أُسند لمجلس الشورى -ذى الاكتساح الإخوانى- مهمة التشريع لهذه المرحلة بموجب مادة خاصة فى الدستور الجديد منحته هذه السلطة لسنّ قوانين تناسب «الجماعة» وتضمن لها أغلبية كاسحة فى مجلس النواب القادم.
ولكن هل ستمر الأمور بهذه السهولة التى يتوهمونها؟
أنا أراهن فقط على إرادة الشعب فى تصحيح المسار وإحباط هذا المخطط وإن غداً لناظره قريب.