كانت المادة 171 من الدستور المصرى لعام 1971م تنص على أن «يسهم الشعب فى إقامة العدالة على الوجه، وفى الحدود المبينة فى القانون». وقد أثار هذا النص الخلاف حول مدلوله ومعناه والوسائل التى يمكن للشعب المساهمة من خلالها فى إقامة العدالة الجنائية. ويبدو أن هذا الخلاف هو السبب وراء حذف هذا النص من الدستور المصرى لسنة 2012م. كذلك يخلو الدستور المصرى الحالى لعام 2014م من النص على مساهمة الشعب فى إقامة العدالة. ورغم إلغاء هذا النص، نعتقد أن للمواطن دوراً فى مواجهة الجريمة. إذ لا يمكن لأجهزة العدالة الجنائية أن تقوم بوظيفتها فى ملاحقة الجناة إلا إذا بادر الأفراد إلى الإبلاغ عن الجرائم التى تصل إلى علم كل واحد منهم. ولعل ذلك هو الذى استدعى تدخل المشرع مؤخراً بالنص على عقاب كل من يعلم بوقوع جريمة حيازة مفرقعات، ولم يسارع إلى إبلاغ السلطات المختصة (قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 100 لسنة 2015م).
ومع تقدم وسائل التكنولوجيا والطفرة التكنولوجية الهائلة التى يعيشها الإنسان فى عالم اليوم، أصبح فى مكنة الفرد العادى الحصول على بعض الأدلة والتسجيلات للجرائم المرتكبة فى الطرق والميادين العامة، ومن ثم، أصبح من الممكن بالنسبة للأفراد المساهمة فى إقامة العدالة الجنائية، من خلال تزويد جهات التحقيق والسلطات العامة بما لديهم من أدلة أو تسجيلات (راجع: بوابة الأهرام، 24 مارس 2013م، خبر تحت عنوان: «النيابة تطلب مدها بالصور ومقاطع الفيديو حول أحداث المقطم وتطلب تحريات وزارة الداخلية»؛ جريدة الأهرام، 29 يوليو 2013م، الصفحة الأولى، خبر تحت عنوان «النيابة تطلب تسجيلات المواطنين والإعلام لاشتباكات رابعة»).
وعلى أثر قيام ثورات الربيع العربى، وما رافقها من انفلات أمنى، احتاج الأمر إلى تدخل الأفراد العاديين للمساهمة فى حفظ الأمن وملاحقة المجرمين. وبالتمعن فى الحوادث التى شهدتها دول الربيع العربى، نجد أن موقف الفرد العادى قد يتخذ شكل التخاذل وعدم الاكتراث بالحوادث، طالما أن الأمر لا يعنيه أو لا يمسه شخصياً. وقد يتخذ موقف الجمهور شكلاً إجرامياً عن طريق القصاص من الجانى والتمثيل بجثته فى العديد من الحالات، ولعل حادثة القصاص الشعبى من «بلطجى دسوق» أكبر شاهد على صحة ما نقول (راجع: صحيفة الأهرام، 13 أغسطس 2011م، خبر تحت عنوان «نهاية أسطورة بلطجى دسوق»). ولا يتعلق الأمر هنا بحادثة فردية، وإنما يشكل ظاهرة عامة لا يمكن لعاقل أن ينكر وجودها أو أن يغض الطرف عنها (راجع: صحيفة الأهرام، القاهرة، 11 سبتمبر 2012م، صفحة الحوادث، خبر تحت عنوان «أهالى الدقهلية يقتلون اثنين من البلطجية ويحرقون جثتيهما»). كذلك، قام البعض بتطبيق الحدود الشرعية بأنفسهم فى بعض الأحوال، ودون أن يكون لديهم صفة فى ذلك. والواقع أن كلا الموقفين ممقوت. فليس مقبولاً من الفرد العادى التخاذل إزاء الحوادث الإجرامية التى يراها أو يشاهدها أمام عينيه. وليس مقبولاً كذلك استيفاء الحق بالذات، وقصاص الأفراد العاديين لأنفسهم بأنفسهم، فالحقيقة وسط بين هذا وذاك. إذ ينبغى على الفرد العادى أن يقوم بمعاونة السلطات العامة فى سبر أغوار الجريمة وملاحقة مرتكبيها، من خلال الإبلاغ عن الجرائم، ودون أن يصل به الأمر إلى حد الافتئات على اختصاص السلطات العامة فى إقامة العدالة.
وبالتمعن فى الوثائق الدولية الصادرة مؤخراً، نجدها تولى عناية بالغة للمساهمة الشعبية فى إقامة العدالة الجنائية. ولعل ذلك يبدو واضحاً فى «المبادئ التوجيهية لمنع الجريمة والقضاء الجنائى فى سياق التنمية وإقامة النظام الاقتصادى الدولى الجديد»، والتى صدرت عن مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة معاملة المجرمين. فتحت عنوان «مشاركة المجتمع المحلى»، ووفقاً للبند الثامن والعشرين من هذه المبادئ التوجيهية، «ينبغى استكشاف وتشجيع الأشكال المختلفة لمشاركة المجتمعات المحلية بغية إيجاد بدائل مناسبة للتداخلات القضائية المحضة، وأن توفر طرقاً أيسر لإقامة العدالة مثل محاكم الوساطة والتحكم والتوفيق. لذلك، يتعين زيادة تشجيع وتعزيز مشاركة المجتمع المحلى فى جميع مراحل إجراءات منع الجريمة والقضاء الجنائى مع إيلاء الاهتمام الكامل لحماية حقوق الإنسان».
وفى الختام، نرى من الملائم أن يبادر المشرع المصرى إلى سن تشريع شامل عن إسهام المواطن فى إقامة العدالة، يتضمن كافة الوسائل التى يمكن للفرد العادى من خلالها معاونة سلطات العدالة الجنائية.