وسط حالات الإحباط المتناثرة فى مجتمعاتنا، التى تصاحبها حالة من الكسل والتراخى، يعطيها البعض سبباً من خلال مقولة شهيرة نُقلت خارج سياقها عن زعيم الأمة سعد زغلول وهى «مفيش فايدة».. وما كان لسعد أن يقول هذه العبارة لو عرف أننا سنرددها نقلاً عنه بدلاً من مقولات عبرت بالفعل عن شخصيته مثل: «الإرادة متى تمكنت من النفوس وأصبحت ميراثاً يتوارثه الأبناء عن الآباء ذللت كل الصعاب ومحت كل عقبة وقهرت كل مانع مهما كان قوياً، ووصلت عاجلاً أو آجلاً إلى الغاية المطلوبة».
لم يقل سعد زغلول العبارة خلال مفاوضات ما بعد ثورة 1919، بل هى مغالطة تاريخية؛ لأنه قالها لزوجته حينما قدمت له الدواء قبل لحظات من وفاته، فقالها لشعوره بقرب أجله، طالباً منها ألاّ تعطيه الدواء لأنه لن يأتى بنتيجة لأن حالته كانت تتدهور.. ولكننا اخترنا هذا السياق اليائس والبائس فى نفس الوقت لنرتضى لأنفسنا فكرة أنه لا جدوى من المحاولة والتعب لأن النتيجة واحدة والمحصلة واحدة.. نقول «مفيش فايدة» أحياناً ضاحكين، ثم باسمين، ثم جادين، ثم معتنقين للفكرة مع كثرة ترديدها..
مصر تمر بظرف قاسٍ ولكنه ليس أقسى الظروف التى مرت بها مصر، لأننا والحمد لله ما زلنا قادرين على اغتنام أنصاف الفرص، بلغة كرة القدم، لننجز ونحقق أى تقدم فى أى وكل مجال.. نعم أخفقنا كثيراً، وأضعنا فرصاً بالجملة، وأمضينا وقتاً طويلاً فى الجدال فى كل أمر، وكأن الله فتح علينا الجدل ومنعنا العمل، ولكن الفرصة لم تضع بعد لا على المستوى الفردى ولا على مستوى المجتمع بأسره شريطة أن نكون قد تعلمنا الدرس من واقعنا وماضينا وما نشعر به أحياناً من يأس قاتل..
واقعياً، الشعور الذى يتملكنا اليوم ليس اليأس ولكنه فقدان البوصلة وانعدام الثقة فى قدراتنا الذاتية على الإنجاز وارتكنا على ما يأتينا من مساعدات أو ضربات حظ قد لا تأتى، بينما قال ليوناردو دافينشى، وهو الذى جمع فى تعريفه بين كونه فناناً وعالم رياضيات ومخترعاً وكاتباً وأحد رموز عصر النهضة فى إيطاليا، إنه توصل لحقيقة أن كل من حقق إنجازاً لم يجلس منتظراً أن تحدث له الأمور، ولكنه ينطلق ليحدث للأمور.. قالها «دافينشى» فى بداية القرن السادس عشر فحقق لنفسه وللعالم المجد والتاريخ الذى يدعونا لتذكر اسمه على بعد آلاف الأميال ومئات السنين..
وضع «دافينشى» صيغة مبالغة بقوله «أن نحدث للأمور بدلاً من أن تحدث لنا» والمعنى لا يحتاج لشرح لأنه تكرر على مر العصور وندركه جيداً.. ولكن هناك فارقاً كبيراً بين من يأخذ زمام الأمور بيده وبين الأخرق الذى يندفع ويلقى بنفسه للتهلكة أو يتصادم مع الآخرين فيفشل ويسبب فشله مزيداً من اليأس للآخرين، أو أن يندفع شخص لا يهمه خير من حوله ليحقق مأرباً شخصياً على حساب الجماعة فيتسبب نجاحه فى استشراء حالة أن الانتهازيين فقط هم الناجحون..
علينا بالتخلى عن الأفكار والمقولات والحوارات التى تجذر لليأس وأن نتعلم ممن يضع الإنجاز أمامه هدفاً يسعى إليه، ونتعامل معه فتنتشر بيننا الإيجابية فى التفكير والعمل والسعى الذى لا يتوقف مهما كانت العقبات.. ولتكن لنا أسوة حسنة فى رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، حين قال: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».. ديننا يزرع الأمل، وسعد زغلول ينادى بالإرادة، و«دافينشى» يطالب باغتنام الفرص، ونحن نرد «مفيش فايدة».. لأ فيه فايدة.