مَن يُطالع وجوه المصريين هذه الأيام يلاحظ مدى الحزن والاكتئاب اللذين يكتسون بهما. فقد تداعت الهموم المعيشية على المواطن، بصورة غير مسبوقة، وأصبح قلقه على المستقبل طاغياً، ولم يعد يمر يومه إلا وتتجدد أحزانه على ضحايا قطار مقلوب، أو ركاب أتوبيس أو ركاب تاكسى أو مواطن يمشى على رجليه، أعمل أحد القطارات سكين عجلاته فى أجسادهم الضعيفة فنهشها، ومن القطارات إلى العمارات التى تتهاوى فوق رؤوس ساكنيها، لتقتل من تقتل وتصيب من تصيب. وإذا صافحت أعين المواطن واحداً من المسئولين على شاشة التليفزيون ازداد همه وغمه، لأنه يشعر بالكرب العظيم الذى يعيشه عندما ينظر إلى تلك الوجوه «الفظة» و«الوشوش العكرة» التى تنطق بالغيظ والحنق والاستعلاء الجاهل.
ويلاه ما حيلتى؟.. كذا يسأل المواطن. والإجابة: يبدو أن «وقت الحساب جاء». سنوات طويلة سكتنا فيها جميعاً على فساد «المخلوع»، حين مات المئات حرقاً فى القطارات، وغرقاً فى العبارات، وردماً تحت العمارات وصخور الجبال، وقهراً بالأمراض التى تَسبَّب فيها الفساد. هذا المواطن الذى يشعر بالحزن والاكتئاب والقلق على المستقبل شهد كل هذه الأحداث، ولم يُحرك وقتها ساكناً، بل شارك البعض فى الفساد الحادث فى كل شبر من حياتنا، بالسكات تارة وبمحاولة الاستفادة والانتفاع تارة أخرى.
وعندما قامت الثورة، واستُشهد فيها من استُشهد من شبابنا، وطالب الثائرون الحقيقيون بمواصلة الاحتشاد من أجل تنظيف الأرض وتهيئة هذا البلد لعصر جديد، لم يلتفت الكثيرون إلى ذلك، وآثروا الاستجابة لدعوة الإخوان والسلفيين إلى تهدئة الأوضاع والبحث عن الاستقرار، ولم يبخلوا عليهم بأصواتهم الانتخابية، وساعدوا تلك الوجوه الفظة والعكرة على التربُّع فوق عرش المحروسة، وكان يكفى جداً أن يلوِّح أصحاب الوجوه المستعارة والكروش المنتفخة بكلمة «الاستقرار» حتى يمنحهم الكثرون تأييدهم. وها هى النتيجة، خرجنا من تخريب «المخلوع» إلى خراب «المتوَّج».
هنيئاً لك الاستقرار المغلَّف بالكمد والنكد، هنيئاً لك الاستقرار فى قاع «الصفيحة»، هنيئاً لك الاستقرار على المعاناة والحرمان. هنيئاً لنا جميعاً ما حاق بنا. فكلنا مذنبون، فى الماضى مذنبون.. وفى الحاضر مذنبون.. فهنيئاً لنا أننا مكثنا حتى لاقينا ساعة الحساب. لقد عشنا أيام ثورة 25 من يناير آية من آيات الله، شاهد فيها الشعب من طغوا وبغوا يفرّون كالجرذان أمام شباب غض أراد الخير لبلاده، فخانه الكبار. الرئيس «مرسى» رأى «المخلوع» بأم عينه وهو يرقد على سريره خلف القضبان، فى حين شاء الله أن يأتى به «إخوانه» من سجنه ليجلس مكان «حسنى» فوق كرسى الحكم، فتجبّر وتكبّر. وعندما يمهل الله الإنسان حتى يرى آية من آياته فى الحياة دون أن يتعظ بها، فإنه سبحانه يعجّل له العقاب فى الدنيا.. وذلك ببساطة ما نعيش فيه.. كلنا مذنبون.. وكلنا ضحايا.. ليغفر الله لنا جميعاً.