من حقك تتشاءم وتكتئب وتلعن اليوم الذى وُلدت فيه والظروف التى جعلتك تولد «مصرياً».. . من حقك. ليست المسألة: «ما معاكش فلوس»، ولا أحد يريد أن يسلفك لأنه مفلس مثلك أو خائف على ما لديه من غائلة الأيام. ليست: رئيسك فى العمل يتحرش بك لأنك أكفأ منه، وزميلك ينفسن عليك لأنك أزحته، وزميلتك تستخدم سحر الأنثى لتأخذ فرصتك. ليست: «نفسك مسدودة» من زوجتك رغم أنكما لا تلتقيان إلا خمس دقائق قبل النوم، و«محتار» مع أبنائك.. تبقى فى البيت لتلعب معهم وتذاكر لهم أم تنشغل عنهم بتوفير لقمة عيشهم وتأمين مستقبلهم. ليست: رزقك مهدد لأنك تقرأ وتسمع طوال اليوم أن مصر ستفلس واقتصادها يوشك على الانهيار، أو انهار بالفعل والدور عليك. ليست: الأيام يشبه بعضها بعضاً، والناس يلتئمون وينفجرون شظايا فى خبر واحد. كل الكتابة هذه الأيام خبر واحد. تقرأه من الوجه فترى «صورتك»، وتقلبه فترى «صورة الله»، وبينهما: «يكمن الشيطان فى التفاصيل». ليست: إحساسك بأن الجنازة «وقفة احتجاجية» حول «نعش فاضى»، والموتى «فاتحة» كلام فى «قعدة عرب»، وثمة قتلى طمع وكبت وإهمال وجوع وقمع وتفسخ، والجملة الاعتراضية: «منتحرون هاربون من صورهم إلى صورة الله». ليست: استحواذ الإخوان و«تخانة» جلدهم ولا مبالاتهم وكأنهم يحكمون بلداً على حافة الجنة. ليست: رائحة الموت التى تزكم أنفك والجثث التى تتناثر عن يمينك وعن شمالك وأنت ماضٍ فى طريقك.. لا تملك سوى أن تدارى وجهك بكفيك وتختلس -من بين أصابعك- نظرة متأسية إلى كل هذه الأشلاء. ليست: خاب أملك فى «جبهة الإنقاذ» وأحكم الفاشيون قبضتهم وقُضى الأمر، ولم يعد لديك سوى أن تكون -أنت نفسك- دولة داخل الدولة. ليست: تريد أن تشارك فى مظاهرات 25 يناير، لكنك خائف من مذبحة، أو «شاكك» أصلاً فى جدوى هذه المظاهرات، لأن كل جرائم هؤلاء الفاشيين (من الكرتونة إلى صندوق الاستفتاء) مرت فى سلام. ليست المسألة أنك متشائم ومكتئب وقرفان من نفسك ومن بلدك ومن الدنيا كلها، فهذا ليس جديداً عليك. وإذا أردت الدقة: لا ذنب للإخوان أو السلفيين أو الفلول أو جبهة الإنقاذ أو ثورة يناير فيما أنت فيه الآن. لا ذنب لنظام مبارك الفاسد أو انفتاح السادات وسلامه المنفرد أو اشتراكية عبدالناصر المستبدة. أنت سبب تعاستك. مفتاح سعادتك فى يدك ولا تعرف. خلاصك تحت قدميك ولا تراه. أنت فقط فى حاجة إلى أن تبحث فى أعماقك عن «سرك الإلهى».. أن تعيد إنتاج نفسك وتقف أمام المرآة كل صباح وتقول مزهواً: «نعم.. أنا هنا». لا تسمح لـ«دين» أو «سياسة» أن تفسد عليك متعتك بكونك «مصرياً»، فـ«مصر» بلد كبير وجميل و«حمّال أسيّة»، والضربة التى لا تقتله تقويك. مصر هزمت كل خصومها وكارهيها ونضجت، بدليل أنك باقٍ ويقظ ولم تفقد لياقتك: قرفان من البلد وخايف عليه وحزين لأنك تراه هكذا وتقف عاجزاً، لا تعرف ماذا تفعل، وإذا عرفت لا تستطيع أن تفعل شيئاً، وإذا فعلت يفوز غيرك بالغنيمة.
مصر ليست بلداً تافهاً أو عابراً أو بلا قيمة. مصر التى أنجبت طابوراً من العظماء فى كل مجالات الحياة لا يمكن أن تكون بلداً بلا قيمة. مصر التى اخترعت «إسلامها» و«مسيحيتها» لا يمكن أن تكون بلداً بلا قيمة. مصر التى كانت أول من بنى وخاض حرباً ومد جسراً للسلام لا يمكن أن تكون بلداً بلا قيمة. مصر التى خلقها الله ضفتى نهر، وبسط صحراءها قبراً لكل من حاول أن يدخلها بغير استئذان، لا يمكن أن تكون بلداً بلا قيمة. مصر التى تحمل على كتفيها تسعين مليوناً لتغيظ خصومها بعزوتها وتزهو أمامهم بخصوبتها لا يمكن أن تكون بلداً بلا قيمة. مصر التى علّمت البشر كيف يحبون بكعكة سميط وقرطاس كمون، وكيف يفرحون وهم مهزومون ويبكون فى أشد حالاتهم فرحاً، لا يمكن أن تكون بلداً بلا قيمة.
ثق فى بلدك لأنها أنا وأنت: لا إخوان ولا سلفيين ولا جبهة إنقاذ ولا ثورة يناير، ولا كل الطغاة الذين مروا على لحمها. ثق فى نفسك لأنك «شُفت» أهوالاً وكوارث أبشع مما تراه الآن.. وما زلت واقفاً على قدميك. انظر إلى «نصف مصر» المملوء. انظر إلى «كل حاجة حلوة فيها»، فإذا لم تجدها.. اخترعها. اخترع «مصرك»... تخيلها. تخيل أنها فى حضنك لتكون فى قلبها. جرب.. لن تخسر أكثر مما خسرت.