الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى إسقاطك من على كرسى ملكك. لو أن الرئيس «مرسى» استوعب هذه الحقيقة لما شعر -وإخوانه- بالمحنة التى يعيشها الآن وهو يحاول أن يتوقع أو أن يتخيل كيف يمكن أن تسير الأمور يوم 25 يناير المقبل وما بعده، لكن أنّى له أن يفعل وهو غارق فى وهم أن الإخوان والسلفيين هم من أتوا به إلى الحكم، وأنهم القادرون على حمايته؟. ونتج عن ذلك أن بادر إلى تمكين أهله وعشيرته من رقاب المصريين فى كل المواقع. لو فهم الدكتور «مرسى» حقيقة أن المصريين هم من وسّدوه السلطة، رغم أن الكثيرين منهم كانوا يرفضونه من حيث المبدأ، وصوّت بعضهم لصالحه، حتى لا يتمكن مرشح الفلول الفريق «أحمد شفيق» من الحكم، لو فهم الرئيس مرسى ذلك لأدى بشكل مختلف، ولعلم أن مفتاح شرعيته يكمن فى كلمة واحدة هى: «العدل».. فبالعدل فقط كان بإمكانه أن يسوس الأمور ويسكّن الأوضاع، لكن انحيازه لإخوانه أنساه ذلك.
ويسقط الرئيس فى أعلى درجات التناقض عندما يتمحك بـ«الشرعية»، وأنه رئيس منتخب بإرادة المصريين، فى الوقت الذى لا يعدل فيه مع المصريين، ولا يبصر فيهم إلا أهله وعشيرته من الإخوان. هل أوصله المصريون إلى الحكم لينتقم منهم وينصف الإخوان بالحق وبالباطل؟. أى شرعية تلك التى تجعل «مرسى» يجلس مستريحاً على كرسيه، وقد عمى عن رؤية المصريين وهمومهم بسبب تفرغه لإخوانه؟. لقد وافق مجلس الشورى أمس الأول على قانون الانتخابات البرلمانية الذى يمكّن للإخوان داخل مجلس النواب، فى الوقت الذى ضرب فيه -وجماعته- «الطناش» على قانون الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور!. وزير «عدله» يتحدث عن العفو عن «المخلوع» مستشهداً بقوله تعالى «والعافين عن الناس»، ونائبه العام يفتح ملفات التصالح مع رموز النظام السابق، ووزير إعلامه يغازل أبناء الحزب المنحل بأرق الكلمات. فالناس فى نظر الرئيس هم الإخوان، وفى نظر وزير عدله ونائبه العام هم فلول النظام السابق، وفى نظر وزير إعلامه هم أبناء الحزب الوطنى.. أى عدل فى ذلك؟. وأية شرعية تلك التى يتحدث عنها «مرسى».
ولأنه لا يريد -هو وجماعته- العدل مع المصريين، بادر الرئيس إلى منح جنرال الداخلية الجديد «الضوء الأخضر، ليخرج للناس من أبناء الشعب الكارت الأحمر، كما كان يفعل «حبيبه العادلى»، بغرض إرهابهم وتخويفهم وإعادتهم إلى الشقوق التى كانوا يحيون فيها أيام المخلوع. حدث ذلك عند قصر الاتحادية، وفى أسيوط، وأمام محكمة جنايات الإسكندرية، وشبرا الخيمة، وغيرها. كل ذلك بهدف إرهاب المواطنين قبل اليوم الموعود الذى يخشاه الإخوان ورئيسهم. لم يعد بإمكان أحد الضحك على الناس، ولم يعد فى قدرة أحد قمع الناس.. إما اعتدلت وإما اعتزلت!.