شاهدت أول أمس حواراً فى برنامج العاشرة مساء هو خير دليل على أمراض الحوار المصرى، وهو يعتبر درساً بليغاً فى كيف تغتال فكرة وتجهضها بإفساد الحوار والمراوغة وشغل الانتباه عن الفكرة الرئيسية، ما يضاعف كم اليأس والإحباط من أى تغيير طالما ظل هذا المرض الحوارى العضال ينهش فى عقولنا. الحوار كان بين د. جابر نصار أستاذ القانون الدستورى والأستاذة نهاد أبوالقمصان ومحامى من قيادات حزب النور، حول قانون الانتخابات، واحتدم النقاش فى مادة وضع المرأة فى نصف القائمة الأول، ووضح د. جابر أن العوار الدستورى يأتى حين تقول إن هذه الدائرة لا بد أن تنجح فيها امرأة، لكن أن تضعها فى النصف الأول فهذا مجرد تنظيم للقائمة. وبصرف النظر عن الدستورية أو عدم الدستورية إلا أن ما يهمنى هو أن د. جابر طرح وعرض كلامه بمنتهى الهدوء والمنطق، فما هى الإجابة التى رد بها عضو حزب النور؟ قال العضو: «يا دكتور جابر إنت لا عاجبك يمين ولا شمال، إنت لا يهمك امرأة ولا غيره فى القانون، إنت اللى مزعلك ومضايقك هو قانون العزل السياسى»، وبالطبع كل لبيب بالإشارة يفهم أن عضو النور يقصد أن د. جابر فلول، وكل ما يفعله من انتقاد للدستور هو بدافع شخصى بحت، من فرط الغيظ أنه غير مشارك فى تورتة الحكم! هذه الشخصنة فى الحوار وترك الموضوع الأساسى للهجوم على شخص المحاور نفسه، من أهم الأمراض المزمنة للحوار المصرى، ومن أهم فيروسات شلل العقل الجمعى لهذا البلد المنكوب، فالمحاور لا يرد ولا يفند ما قيل ولكنه سرعان ما يذهب إلى أقرب مطواة قرن غزال فى النقاش ليغتال مَن أمامه معنوياً بمزيد من الضباب والغلوشة على النقاط الحقيقية المهمة الواضحة، لأنه ببساطة لا يستطيع الرد، فلجأ إلى «امسك فلولى كاره للإسلام» لتظل هذه العورة تطارده حتى تثبت إخوانيته أو نورانيته.
مرض الحوار الثانى المزمن ظهر عندما تحدث د. جابر والأستاذة نهاد عن أن رفض المرأة والالتفاف حول حقوقها سلوك وإحساس أصيل فى برنامج وفكر «النور» وممارساته، بدليل تصريح قياداته ومرجعياته بأن ترشيح المرأة هو ترشيح المضطر لدفع الضرر العظيم بالضرر الأخف، وكلنا يتذكر حذف صورة المرشحات ووضع الوردة بدلاً منها، هنا كان الرد من عضو «النور»: «هى خلاص كل مشاكل المرأة انتهت لما نقعد نتكلم عن ترشيحها؟ فين الكلام عن صحة المرأة ومشاكل المرأة المعيلة؟ والمرأة هى عمتى وخالتى وأمى... إلخ»! مرض الإبحار إلى شاطئ آخر للمناقشة بعيداً عن الشاطئ الأصلى، أو لنقل بدقة الإبحار إلى محيط هادر متلاطم بعيداً عن بر النقاش الآمن الذى سيوصلنا إلى نتيجة محددة وواضحة، فنحن نتحدث عن قانون الانتخابات ما لنا الآن وما للصحة؟ عندما يعرض قانون التأمين الصحى فى البرنامج نناقشه، واللعب على مشاعر الناس بأغنية الست دى أمى وعمتى وخالتى هو بمثابة وضع كريم شانتيه على تورتة من الحصرم وأشواك الصبار!
مرض الحوار الثالث ظهر عندما احتدم النقاش حول نقطة المرأة فى الانتخابات، فقال عضو «النور»: «إحنا اللى اتسجنا واتعذبنا قبل الثورة »! على عينى ورأسى هذا الكلام، ولكن ليس هذا موضوعنا، ولا ينفع المن والتعالى بلقب «سجين عهد مبارك» فى نقاش يريد الحجة والمنطق والإقناع، وكونك سجيناً سابقاً لا يمنح آراءك فى هذه النقطة أى حجية أو منطقية أو قدرة على الإقناع، المهم فى الحوار قرع الحجة بالحجة، وليس استجداء أفضلية المحاور من خلال استدرار عطف المشاهد بطرق جانبية ملتفة ليست لها أى علاقة بالطريق أو الموضوع الرئيسى.
حوار طرشان وورم حوارى سرطانى ينخر فى النخاع، هذه حصيلة حواراتنا العقيمة التى لن تلد إلا مسخاً.