لن ينصلح حال الدعوة الإسلامية إلا بالوسطية والاعتدال.. ولن تنجو مصر كلها إلا بهما.. فلا غلو أو تقصير.. ولا إفراط أو تفريط.. ولا صدام بين الدين والعلم.. فالعلم خادم للدين.. والدين حاث على العلم.. ولا تضارب بين الدنيا والآخرة.. فالأولى هى مزرعة للثانية.. ولا تقديس للعقل على حساب النص.. ولا تغييب للعقل حتى لو كان فى فهم النص أو بيان حكمته أو ربطه بالواقع.. ولا تصادم بين قوامة الرجل وحقوق المرأة وكرامتها.. فقوامة الرجل هى قيادة إدارية مجردة وهى تكليف لا تشريف فيها.. وليس هناك مكان على الأرض إلا وله قائد ومدير.. أما حقوق المرأة وكرامتها فقد حفظها الإسلام أكثر من كل من المذاهب الوضعية التى دافعت عن المرأة.
* ومن الوسطية ألا نكون من الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالمعصية وينظرون إلى الناس باستعلاء وازدراء.. ولا من المرجئة الذين يقترفون الكبائر قائلين إنه لا يضر مع الإيمان ذنب.
* ومنها أن نرفض فكر بعض الشيعة الذين غالوا فى سيدنا على وآل بيته واختصروا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) العظام فيهم فقط.. وغمطوا أو سبوا الآخرين.. كما نرفض فى الوقت نفسه فكر الخوارج والتكفير الذين كفروا سيدنا على ومعاوية والحكمين من قبل.. ويكفرون عوام المسلمين اليوم.
* ومنها رفض فكر بعض العلمانيين الذين يقدسون العقل ويقدمونه على النقل الصحيح ويدعون أن العقل حكم على النص.. ونرفض فى المقابل فكر بعض الإسلاميين الذين يريدون تغييب العقل وإلغاء دوره حتى فى فهم النص وشرحه والوقوف على حكمه ومقاصده وتنزيله على واقع الحياة.
* فالإسلام لم يأت بتقديس العقول من دون الله ولا بإلغائها ليعيش الناس فى ضلالات الجهالة والغى.. فمساحات عمل العقل التى أباحتها الشريعة الغراء هى أوسع وأكبر المساحات.. لأن الشرع لا يعمل دون عقول تفهمه وتدرك مراميه ومقاصده وتنزله من صفحات الكتب السماوية والدينية إلى واقع الحياة تعميراً للكون ونشراً للخير.
* والوسطية تلزمنا بالعمل بديناميكية الإسلام الذى لا يخشى الانفتاح على الآخرين.. يأخذ منهم النافع من نتاجهم الحضارى.. ويترك ما دون ذلك.. يقبل السمين ويرفض الغث.. يقبل الطيب ويأبى الخبيث.
* وقد كان عمر بن الخطاب عبقرياً وقوياً فلم يستنكف أن يستعير نظام الدواوين «الوزارات» من دولة فارس التى كانت تعبد النار.. فمنتجات الحضارة النافعة هى ملك للجميع.. لقد أدرك هذا العبقرى أن الإسلام لا يمنع أتباعه من الاستفادة من الآخر حتى لو كان على غير عقيدتنا وديننا.. ولكنه يمنعنا أن نكون مجرد تابعين أذلاء له.
* لقد استعار ابن الخطاب (رضى الله عنه) بعبقريته أدوات الحضارة من الآخرين ليقيم حضارة أعظم منها.
* أما نحن فنشتم فى الجميع دون أن يكون لنا أى إنتاج حضارى يسبق الآخرين.. أو حتى يساويهم.. لا فى الطب ولا الزراعة أو العسكرية أو الصيدلة أو السياسة أو الاقتصاد أو أى شىء.
* فأين منتجنا الحضارى اليوم الذى يحتاج إليه الآخرون؟
* للأسف لا يوجد فى أى تخصص.. حتى فى السياسة نعيش إلى اليوم على المنتج السياسى الغربى ولم نبدع منتجاً حضارياً جديداً يخصنا ويصلح أن تستعيره الأمم وتهتدى به.
* لقد أنشأ ابن الخطاب نموذجاً حضارياً فريداً استقاه من قيم الإسلام العظمى ومن حضارات الأمم الأخرى التى لا تصطدم مع ثوابت الإسلام وهزم بهذا النموذج الحضارى حضارتى الفرس والروم بالعدل السياسى والاجتماعى ومحاسبة الحكام وفقه المراجعة والمحاسبة.
* أما نحن فتركنا وسطية الإسلام واعتداله.. وليس لنا أى إنتاج حضارى يليق بنا وبديننا.. ولم نأخذ من حضارات الآخرين ما نصنع به حضارة وسطية عادلة يهذبها وحى السماء وتمتزج فيها الروح والمادة والواجب والواقع لنصدرها بعد ذلك للآخرين.