لست من هواة العبارات المجتزئة خارج، السياق ولذا أسعى دوماً لفهم وتحليل الأحداث فى إطار الصورة الكاملة، ولذا فحينما كتبت عن معارضة أطفال الشوارع فى مقال الأمس، ممثلة فى فرقة من الشباب الممسوخ فكراً وخلقاً، كان لا بد من إكمال الصورة لتصحيح الوضع كله، خاصة بعد صدور أحكام السجن لمدد تتراوح بين عامين وخمس سنوات على متظاهرى 25 أبريل الماضى، فى أقل من 20 يوماً، وهو ما يعد إنجازاً نفتقده فى قضايا مصيرية فى بلادى، مثل قضية «حبارة» المعترف بقتل الجنود، وقضايا ناهبى أرض وأموال الدولة، وقضايا الإخوان المعتدين علينا شعباً ووطناً، ولذا فهو إنجاز يرسم عشرات من علامات التعجب لقضاء بات يثير الاستفهام عما يمنحه لنا من عدالة. وسواء كان الحديث عن فرقة أطفال الشوارع أو عن شباب خرج بحمق ودون معلومة حقيقية أو مدفوعاً من أى جماعات لها مصلحة للتظاهر ضد قرار إعادة مصر لجزيرتى تيران وصنافير للسعودية، فالأمر بالنسبة لى محدد الخلفية يا سادة. نعم لدينا مسخ بين شبابنا يتحمل فيه اللوم كل من الدولة التى غاب عن مؤسساتها طيلة 40 عاماً مضت إعداد رؤية متكاملة متزنة لما يجب أن تكون عليه أجيالها المتعاقبة شكلاً ومضموناً. وأسرة انشغلت بلقمة العيش وفكرة السفر للخليج لجمع الدراهم والريالات وتركت الأبناء يتامى فى ظل أبوين غابا فكراً حتى لو حضرا جسداً. بالله عليكم ماذا تنتظرون من أبناء لم يجدوا الدولة فى المدرسة والنادى والإعلام ومركز الشباب وقصر الثقافة والمكتبة العامة والجامعة والمسجد والكنيسة؟ ولم يجدوا الأبوين فى الرعاية والتربية والحوار واللمة على مائدة واحدة والتوجيه والمصاحبة؟ ماذا تريدون ممن تركتموهم نهباً للشوارع أياً كان من سيتلقفونهم فى الشوارع، منحرفين أو تجار أوطان أو تجار دين؟ نعم تركنا الشباب للشوارع بما حوته سنوات، وصحونا لنجد أن تلك الشوارع أفرزت مسخاً بشعاً متعدد التشوهات كان قابعاً تحت الأرض قبل 2011 ثم انفجر طوفانه بعد 25 يناير 2011 ليؤكد لنا خيبتنا جميعاً فى التربية والإعداد. ولذا نحن بحاجة لمحاسبة أنفسنا قبل محاسبتهم لتصحيح الوضع الذى نعيشه اليوم. بالطبع لن نستطيع سجن الشوارع التى احتضنت جيلاً بأكمله ولا تزال فى ظل غياب تعليم وإعلام مسئول وأسر واعية تشكو فى غالبيتها من فلتان العيال وشرودهم وعدم القدرة على كبح جماح أفكارهم المشوهة الناقمة على كل ما يحدث فى وطن يحاول استعادة ثباته. ولكن نستطيع أن نتحمل المسئولية كدولة إن أردنا الصدق مع الذات بالتعامل مع قضايا هؤلاء الشباب بمنطق أن لا مصلحة لأى طرف فى سجنهم لمجرد العقاب القانونى على ما اقترفوه من أخطاء وفقط، بل إن الهدف الحقيقى لنا جميعاً هو تقويمهم وعلاجهم من مسخ كنا سبباً فيه بغيابنا عنهم وتركهم نهباً للشوارع.
ولذا فعلينا تخصيص معسكرات إنتاجية ينضمون لها ومنحهم الفرصة للفهم الحديث والتعبير عما بداخلهم حتى لو كان خطأ ما دام الهدف هو التصويب. نعم معسكرات فى صحراء الفرافرة ليشاركوا فى زراعة القمح ويعلموا معنى الجهد والعمل وقيمته ويكتسبوا قيم العمل الجماعى والصبر والفرحة بالحصاد. أو فى توشكى فى معسكرات صناعية تقوم على تصنيع وتعبئة ما تزرعه أياديهم ليتعلموا احترام اليد العاملة واحترام الوقت، وأن اكتفاءنا الذاتى كفيل بصناعة الحرية المطالبين بها. ويتخلل الإنتاج يا سادة عروض فنية راقية ودروس فى التنمية البشرية والمهارات الحياتية بشكل يؤهلهم للعيش بعيداً عن عالم المسوخ. نعم أهلوهم لأنكم السبب فيما آل إليه حالهم ولا تسجنوهم لأن الشوارع لا تزال حاضنة لمسوخ غيرهم ولن نستطيع سجن الشوارع.