العلاقة بين السلطة والمسئولية هى علاقة تناسب طردى، بمعنى أنه كلما زادت صلاحية السلطة زادت معها المسئولية والمساءلة والمحاسبة.
فالسلطة والمسئولية كفتا ميزان فى الحكم، ويجب أن تكون الكفتان متعادلتين ليكون الحكم رشيداً ويحقق مصالح الأوطان والشعوب، فإذا ما توسعت السلطة وزادت عن المسئولية فلابد أن تُضبط السلطة بضوابط دقيقة لتحجيمها وإلا تصبح السلطة مفسدة تؤدى إلى إفساد كافة مناحى الحياة. وتؤدى مقاومة السلطة المطلقة إلى عنف وعنف مضاد من قِبل السلطة، مما يدفع إلى حروب أهلية للصراع لتحجيم هذه السلطة وردها عن غيها لإحداث التوازن بين السلطة والمسئولية.
وقد شهدت مصر -عقب الثورة وسقوط النظام السابق- ظاهرة خطيرة وهى النهم بامتلاك السلطة إلى درجة إهدار كل القيم والمبادئ الدستورية والقانونية المستقرة فى سبيل الانفراد بالحكم والتأسيس لحكم فاشى وديكتاتورى لا يقابله أى مسئولية أو مساءلة تُذكر.
وتمثل ذلك وبصورة فجة فى إصدار الرئيس محمد مرسى لما سماه الإعلان الدستورى فى 22/11/2012 الذى أعطى فيه لنفسه سلطات واسعة دون أى مساءلة لما يصدر عنه من قرارات وقوانين غير قابلة للنقض أو الإلغاء أو حتى الرقابة القضائية، وهو ما أدى إلى اشتعال نيران العنف فى البلاد وهى نيران لم تنطفء حتى اليوم بل هى قابلة للازدياد، ذلك أن آثار هذا الإعلان -رغم إلغائه الظاهرى وليس الحقيقى- قد ظلت سارية وأتت بالنتائج التى من أجلها أصدر رئيس الجمهورية إعلانه المشئوم.
وإذا ما تأملنا نصوص الدستور الجديد -الذى تم تمريره- بما لا يزيد عن 20% من أصوات الناخبين نجد أن صلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية لا تتناسب أبداً مع كيفية مساءلته أو محاسبته، فالمادة الوحيدة التى تتعلق بمساءلة رئيس الجمهورية هى المادة 152 التى تُقصر مساءلته لدى اتهامه بارتكابة جناية أو بالخيانة العظمى، وفى مقابل هذه المسئولية المحدودة فإن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية وهو الذى يختار رئيس مجلس الوزراء، ويكلفه بتشكيل الحكومة وله أن يحل مجلس النواب (الشعب سابقاً) وأن يدعو للانتخابات وهو يضع بالاشتراك مع مجلس الوزراء -الذى يعينه هو- السياسة العامة للدولة وهو الذى يُشرف على تنفيذها، وله أن يفوض بعض اختصاصاته لرئيس الوزراء أو لنوابه أو للوزراء أو للمحافظين وله بالطبع أن يسحب هذه التفويضات، كما أن لرئيس الجمهورية أن يُبرم المعاهدات وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات المسلحة والمجلس الأعلى للشرطة، ورئيس الجمهورية هو الذى يعين الموظفين المدنيين والعسكريين ويعزلهم من مناصبهم ويعين الممثلين السياسيين للدولة ويقيلهم وله أيضاً إعلان حالة الطوارئ ولرئيس الجمهورية أيضاً حق العفو عن العقوبة أو تخفيفها.
والسؤال الآن: هل تتناسب كل هذه السلطات مع مسئولية رئيس الجمهورية؟ سؤال لا يحتاج إلى إجابة.
خاصة أن رئيس الجمهورية قد أتى بأفعال فى الفترة الماضية لا يمكن محاسبته أو مساءلته عليها حتى وفقاً للدستور الجديد، فأين مسئوليته عن اختلال الأمن فى سيناء وعن عدم معرفة الجناة الذين اغتالوا ستة عشر من جنودنا فى سيناء، وأين مسئوليته عن الكوارث المتتابعة التى مرت بها مصر فيما يتعلق بحوادث القطارات والمزلقانات، وأين مسئوليته عن اختياره لرئيس الوزراء وحكومة لم تقدم أى حلول عاجلة لمشاكل المواطن المصرى البسيط، وأين مسئوليته عن انتهاكه للدستور والقانون ومنح نفسه لسلطات فرعونية ديكتاتورية أدت إلى انقسام الشعب المصرى إلى حد الاقتتال فى الشوارع، وأين مسئوليته عن اغتيال السلطة القضائية وتحجيمها، وأين مسئوليته عن انهيار قيمة الجنيه المصرى والارتفاع غير المسبوق للأسعار، فإن لم يكن هو المسئول عن كل أو بعض ما سبق، فأين المسئول الذى يمكن للشعب أن يحاسبه؟ أم أن كل هذه الأخطاء ستمر بلا حساب؟
إن اختلال ميزان السلطة والمسئولية هو أحد أهم العيوب فى الدستور الجديد، وهذا الخلل هو ما دعا القوى الوطنية إلى مقاومة هذا الدستور ليس لمناهضة رئيس الجمهورية ولكن لتجنيب البلاد مخاطر تزداد يوماً بعد يوم تمثلت فى اضطرابات للحياة السياسية والاقتصادية بل والأمنية بما يعرض البلاد للدخول فى نزاعات وصراعات تهدد السلم الاجتماعى وقد تؤدى -لا قدر الله- إلى حرب أهلية بدأت بوادرها بقتل المصريين بعضهم لبعض فى الشوارع وباستخدام أسلحة لم يكن المصريون يعرفونها. من هنا تبدو مشروعية التظاهرات والاحتجاجات المقرر أن تبدأ من يوم غد الجمعة والتى دعت إليها القوى الوطنية جميعها باستثناء جماعة رئيس الجمهورية جماعة الإخوان المسلمين.
والسؤال الثانى الذى يجب أن يسأله رئيس الجمهورية لنفسه هو: هل كل هذه القوى من أحزاب مدنية وقوى سياسية وشبابية ومنظمات حقوقية ومدنية مصرية وأيضاً قوى دولية، هل كل هؤلاء على خطأ والرئيس وجماعته فقط هم على صواب؟ أليس من بينهم رجل رشيد ينبه إلى المخاطر المحدقة بالبلاد؟
إن التمادى فى الغى والبغى الذى تمارسه جماعة الإخوان المسلمين والوهم السائد بأن باستطاعتهم الاستيلاء والسيطرة والتحكم دون مساءلة سيؤدى إلى نتائج وخيمة تلحق بالوطن بل وبالجماعة نفسها، وسيكون الثمن باهظاً يدفعه الشعب من دماء أبنائه.
ولا أملك فى النهاية إلا أن أقول لرئيس الجمهورية ولجماعة الإخوان المسلمين استقيموا يرحمكم الله.