لعب المال السياسى الوارد من الخارج دوراً كبيراً فى الانتخابات الرئاسية المصرية.. وسخر بعض المرشحين من عقول المصريين حينما قالوا إن كل هذه الملايين هى من تبرعات الأصدقاء والمحبين.. فقد عشنا حياتنا كلها وكان لنا عشرات الآلاف من الأصدقاء ولم نسمع عن أحد تبرع لأحد بمثل هذه الملايين.
لقد تجاوزت دعاية بعض المرشحين أكثر من 70 مليون جنيه مصرى.. فمن أين جاء بهذه الأموال الضخامة؟! وهل سيكون رئيس مصر القادم دائماً رهينة قبل وصوله لسدة الرئاسة للمال والنفوذ الأجنبى قبل الوصول وبعده؟! وهل لن يصل إلى الرئاسة إلا من يملك هذه الملايين أو من يستطيع إحضارها من الخارج؟!
الغريب فى الأمر أن هذه الإنفاقات تتم وتمت تحت سمع وبصر الدولة المصرية الرخوة المهترئة دون أى رد فعل حتى ولو «لفت نظر» كما يقول الموظفون.
الناظر إلى الانتخابات الرئاسية المصرية يدرك من الوهلة الأولى أنه لن يصل إلى سدة الرئاسة المصرية إلا من تقف خلفه ماكينة انتخابية ودعائية ضخمة.. حتى لو كانت كفاءته قليلة أو «نص نص» كما يقول المصريون.
فالماكينة الانتخابية التى توجد فى كل مكان والتى تنفق بسخاء والتى تتحدث إلى الجميع أهم الآن من الكفاءة.
فى مصر كفاءات أعلى وأرقى وأذكى بكثير من كل الذين ترشحوا للرئاسة.. لكنهم لا يملكون المال ولا يستطيعون الوصول إلى دول الدعم السياسى المعروفة.. ولا يملكون ماكينة الانتخابات الجبارة مثل ماكينة التنظيم أو ماكينة النظام السابق.. وكل ماكينة صعدت بصاحبها إلى جولة الإعادة الرئاسية.
ويبدو أن الرئيس القادم سيظل يقدم التنازل تلو التنازل للآخرين.. ويمنِّى كل الفصائل التى ستمنحه دعمها وتأييدها فى الانتخابات حتى إذا وصل إلى سدة الرئاسة وجد نفسه منزوع الدسم والصلاحيات.. إلا إذا كان يخدع الجميع بذلك.
ويبدو أن مناصب الدولة كلها ستُنزع قبل وصول الرئيس إلى السلطة إلى غير أهلها الذين لا مؤهلات لهم سوى الدعم المالى أو البشرى.. أو أن يكونوا أصحاب ماكينة انتخابية مساندة.. وهل سيضر ذلك بمصداقية مؤسسة الرئاسة؟!
كما أن الرئيس القادم سيكون فى أسوأ اختبار؛ فالجميع يتربص به.. ولا يريد أن يعاونه أحد وستقابله مشاكل لا حصر لها.
فإن جاء د. محمد مرسى قد يجد المشاكل الخارجية فى انتظاره والرفض الغربى والأمريكى جاهزاً له.
وإذا جاء الفريق شفيق سيجد الرفض الشعبى الداخلى فى انتظاره.. فضلا ًعن المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات وحرق الأرض تحت قدميه وإغراء الشباب حديثى العهد بالعنف.
أما إذا جاء د. محمد مرسى فقد يجد صعوبات جمة فى ترويض الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الثلاثة الكبرى.
أما إذا جاء الفريق شفيق فسيقف له البرلمان بالمرصاد وسوف يحاول إفشال عمله وتعطيل مسيرته ووضع العراقيل أمامه.. حتى يبدو للجميع عجزه وفشله، وسوف تهتز المنابر كل جمعة بسبه وشتمه والإثارة ضده.
أما إذا جاء د. محمد مرسى فسوف يقف الإسلاميون وراءه وتطرب المنابر فرحاً به.. أما القنوات الفضائية فسوف تنتظر له كل هفوة وتحاسبه على الصغيرة قبل الكبيرة وتجهز له المحاكمات الإعلامية دون محامين فى كل حين.
وبهذا فلن يستريح هذا أو ذاك فى سدة الرئاسة وستكون أيام كل منهما نكداً وهماً وغماً عليه وعلى أسرته ومحبيه.. وسيكون الضغط والسكر وأمراض القلب والقولون العصبى فى انتظار كل منهما.
أخيراً فإن بعض المتحدثين الإعلاميين للأحزاب أو الحركات الإسلامية أو السياسية يضرونها أكثر مما ينفعونها.. وينفِّرون الناس عنها أكثر مما يقربون منها.. ويصرفون الناس عن أفكارها أكثر مما يحببونهم فيها.