دار حديث فى لقاء تليفزيونى شاهدته بين مسئول لجنة الشباب فى حزب الحرية والعدالة وبين أحد ممثلى صفحة كلنا خالد سعيد والصديق العزيز وائل خليل حول الأزمة الحالية المتعلقة بأوضاع الصفيح الساخن ومن يتراقصون فوقه من لاعبى المشهد السياسى المصرى فيما قبل جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية القادمة بين الدكتور محمد مرسى والفريق شفيق.
وللحق فإن اللقاء برمته قد أقلقنى جملة وتفصيلا ليس فقط فيما يتعلق بما يمكن أن أسميه الابتزاز السياسى الذى طرحته وثيقة الصفحة المذكورة على لسان ممثلها أو التعهد المكتوب الذى طالب به الأخ وائل خليل باعتباره ممثلا عن اليسار وبخاصة الاشتراكيين الثوريين، وإنما كان أشد ما أثار ضيقى وحيرتى معا هو منهجية الحوار التى سلكها الأخ على المسئول الحزبى للحرية والعدالة؛ إذ ترسم تلك المنهجية نفس المسارب الفكرية التى ترسمتها من حديث الأخ عصام تليمة فى حوار هاتفى كنت طرفا فيه معه على الراديو القطرى بالإضافة للدكتور حسن نافعة والدكتورة نادية تكلا.
وأقل ما يمكن أن توصف به تلكم المنهجية هو الاصطفاف عند منطقة الدفاع المحض والتوسل للخصوم طلبا للرضا فالقوم لم يكتفوا بكل المحاولات الاسترضائية التى بذلتها جماعة الإخوان وواجهتها السياسية وبخاصة على لسان مرشحها لمقعد الرئاسة الدكتور محمد مرسى ولا ما قدمه الرجل من تطمينات ترقى إلى درجة التعهدات من رجل فى موقعه الحزبى والمنتظر.
وفى صفة تشبه حقا صفات المنافقين فى كتاب الله ترى القوم وقد اتخذوا سخريا كل كلمة تخطب الود أو عبارة تطلب الرضا وجعلوها نكتة يتندرون بها؛ وحق لهم ذلك فالمتأمل لما يطلبونه من تعهدات لا تنتهى يفاجأ بأن القوم لا يريدون حصة فى الكعكة الزائفة المقبلة ولا يطلبون مناصب فى الحكومة المزمعة المزعومة ولا ينادون بحقوق غائبة أو مظالم عائبة ولكن كل ما يطلبونه وباختصار هو أن نتنازل عن مبادئنا، نعم إنهم يحاولون إسقاطنا فى معركة المبادئ!
إنهم ينتهزون فرصة مأزق ظنوا أننا قد وقعنا فيه ولا يعلمون أن الأمر كل الأمر هو الحرص على ألا نعود فى الجحيم مرة أخرى بعد إذ نجانا الله منه وكذلك خوفنا على بلادنا وما قد يصيبها إن عادت فى حمأة النظام القديم وما يمثله ذلك من ضياع للثورة وتهديد لحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة.
إنهم يريدون التعهدات التى تقضى على أية فرصة قادمة لتطبيق الشريعة أو زيادة حيزها فى واقع الحياة والناس ولو عبر الوسائل المتاحة والمسارات المرسومة، إنهم يجردوننا من هويتنا.
ولا يفوتنى هنا أن أذكر وإن خرجت عن السياق بأن القوم قد انتفضوا لكل قطرة دم أريقت على أرض مصر منذ الثورة ولم تغرقهم أنهار الدم الإسلامية التى سالت على ثرى مصر لثلاثين عاما فى عهد مبارك ولا تلك التى لطخت ميدان العباسية المجنون بل راحوا يبررون للقاتل الذى لعنوه من قبل ويدينون المقتول فتلك دماء لا بواكى لها.
وحرى بالذكر أننا نجنى ما زرعناه وأن القوى الإسلامية متمثلة فى كتلة الإخوان وكتلة النور قد أخطأت حين تركت ميادين الثورة لتتفرغ لميدان السياسة، لنكسب الأغلبية النيابية فى مجلسى الشعب والشورى ونخسر كل شىء!
إذ وصمنا إخلاء الميدان بخيانة الثورة إذ إن خصومنا أصلا كانوا حريصين على نفى الصفة الإسلامية للثورة منذ جمعة المساجد التى كان رمزها الاعتبارى على صفحات الفيس بوك هو المساجد قبل أن يتغير الاسم وبقدرة قادر إلى «جمعة الغضب» والرسم إلى رمز القبضة، ثم أخلينا نحن الميادين منذ البداية إلا فئات أدركت خطورة هذا الأمر منها الجبهة السلفية وعدد من التكتلات والائتلافات الإسلامية الأخرى.
وحين نلنا الأغلبية وصمنا مرة أخرى بالموالاة للنظام العسكرى الحاكم فى الفترة الانتقالية إذ إن الأغلبية فى ظل أى نظام توصف عادة بأنها موالاة بينما توصف الأقلية بأنها هى المعارضة، بينما الحقيقة أن القوى الإسلامية ظنت أنها تسحب البساط من تحت أقدام المجلس العسكرى حتى ينتهى المسار السياسى وبعدها فلكل حادث حديث بينما كان العكس هو ما يجرى فى الحقيقة ومن تخادعت له فقد خدعته!
ثم خسرنا كرة ثالثة حين تولينا مسئولية السلطة التشريعية بالأغلبية وتناسينا أن أية سلطة بعد أية ثورة هى محض احتراق مبكر وتصدر عار للقوى الشعبية الغاضبة من كل شىء والثائرة على كل شىء والناقمة على كل شىء بخاصة إذا كانت تلكم الأشياء فى موقع السلطة، ونفس هذا المزلق بالمناسبة هو ما سيعانى منه الرئيس القادم أيا كان وكائنا من سيكون، ولهذا الأمر أو غيره تنحى الدكتور البرادعى مبكرا فى حركة ماكرة دبرها أو دبرت له من ناصح أمين أو جماعة من الناصحين!
جاءت مجالسنا التشريعية إذن لتحمل وزر أخرى وهى لعمر الله ما اكتسبتها ولتحمل تلكم الأوزار كاملة يوم الرئاسة فى ظل هيمنة عسكرية معطِّلة وأقلية مشغبة يهمها إفشالها أكثر من نجاحها، وحكومة قبلناها منذ البداية وما كان لنا أن نقبلها كل ما عملته فى ستة أشهر هو التلغيم قبل التسليم، أعنى تلغيم الأوضاع قبل تسليمها وتكريس تبعات هائلة كفيلة بتعجيز أية حكومة قادمة قد يتبوأها الإسلاميون، ولتكون هدفا فى مرمى القوى الإسلامية تفقدها كثيرا من رصيدها الشعبى وقوتها الميدانية بل وإجهاض أى ارتقاء آخر محتمل لها فى السلم السياسى فى مصر.
وكان من أخطر ما أصابنا وأصاب الثورة وأصاب البلد هو التوصيف الخاطئ الذى أنشأ حالة خاطئة؛ إذ إن توصيف الصراع الدائر فى بلادنا اليوم ليس هو الصراع بين الإسلامية والعالمانية فالصحيح أنه صراع بين القوى الوطنية وقوى النظام المهزوم، وقد أشعل فتيل هذه المعركة الوهمية الخطيرة استفتاء التعديلات الدستورية المشئوم، وما أنشأه من حالة الاستعلاء والفوقية والشعور بالأكثرية حتى صرنا نعير بها القوم وظننا أننا سنشكل اللجنة التأسيسية وحدنا أو بأقلية ترضى بالفتات الذى سنلقيه لها ونسينا أو غفلنا أننا أمام أقلية طامحة ومعطلة وأدهى من ذلك أنها فاعلة ومفعلة؛ نعم هى فاعلة فى نفسها ومفعلة لغيرها بينما كنا وما زلنا أغلبية مترهلة محدودة الفعالية والتفعيل حتى الآن.
كانت تلكم الأقلية قادرة بالفعل على إلغاء اللجنة التأسيسية الأولى وسيطرت أو كادت على الثانية التى ما زال تشكيلها جاريا وهى تساوم عليها مقابل دعم لن تقدمه للإسلاميين ولا لحزب الحرية والعدالة ومرشحه فدون ذلك خرق القتاد؛ فالقوم قد اجتمع أكثرهم على دعم أى فريق ولو كان هو شفيق، أما أن يكون إسلاميا فلا!
تمزقت الحالة الإسلامية أفقيا ورأسيا بين المناشط الاجتماعية والسياسية والإعلامية التى انفتحت انفتاحا رهيبا يشبه الانفجار من الكبت بعد الثورة وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية متمثلة فى محاولة الوصول إلى الرئاسة، وهذا التمزق كفيل فى حد ذاته أن يفتت الإمبراطوريات لا الجماعات والمجموعات ويدفعها للاهتراء، ونسى حكماء الحركة الإسلامية أن يحكموا الإحكام الصحيح بين المحورين فتمزقت الحركة وتمزقنا.
لقد ظننا أن أغلبيتنا لها صفة الديمومة والحقيقة أن الدوام لله وأن من أعطونا الأغلبية لم يوقعوا لنا شيكا على بياض، نعم سنبقى نحن الأغلبية بقدر الله وقدر الله غالب، طالما بقينا قطب الرحى بين غلبة دين الله الذى ننتمى إليه وبين غلبة حب الدين فى قلوب أهلنا وأبناء بلادنا، وإن وصفونا بتجار الدين فالدين بضاعتنا وبضاعة غيرنا أى شىء وكل شىء غيره.
أما شعبنا العظيم فإن اختار شفيق فإنه يستحق شفيق وما أظنه إلا يستحق كل خير، لقد جمع الفلول والحزب الوطنى المنحل وزبانية الأمن المختل وبعض المخوفين والمضللين جمعهم ليعطوا الفريق شفيق نسبته التى أعطيت له وما عاد فى جعبتهم الكثير ليجمعوه فقد أتوا بما استطاعوا وسينحاز كثير من الغيورين من أولئك الذين لم يصوتوا أول مرة أو صوتوا لأبىالفتوح أو حمدين إلى الدكتور مرسى، لا لأنهم بالضرورة يحبونه أو يحبون الإخوان المسلمين وإنما لأنهم يحبون وطنهم ويكرهون المجرمين، لقد أفلس القوم إذن وما زال فى جعبتنا الكثير فلا يدفعوكم إلى اليأس أو المقاطعة فهى كل ما تبقى لهم من سلاح.
كان الله فى عون جماعة الإخوان وفى عوننا جميعا وفى عون وطننا وأبنائنا، وإن كان لى من نصيحة فهى أن نكف عن تقديم التنازلات ومحاولات الاسترضاء فلنقل لهم نحن هكذا وهذا منهجنا ولننجح فى هذه الجولة أو نفشل فلا بأس أن نعود للنضال السياسى فنحن أبناء حلبتها وفرسان بجدتها ولا يضرنا الآتى كائنا من كان، لكن ليعلم هو وليعلم الجميع أننا لن نرضى الذل والاستعباد مرة أخرى.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون