ما يحدث الآن فى مصر بعد حكم محكمة الجنايات على رأس النظام السابق وقياداته لا ينبئ بالخير، وباستثناء أهالى الشهداء وبعض الشباب الثائر عن حق وعقيدة بحثاً عن الحرية والتغيير والخوف من العودة للماضى، أو بناء مستقبل ديمقراطى، نرى قوى وتيارات تحاول استغلال الموقف، لإحداث فوضى والانقضاض على ما تم لرسم صورة تطابق ما يطمحون إليه لأهداف خاصة بعيداً عن مصلحة مصر.
نعم الحكم كان صادماً ولكنه كشف عن واقع مصر المضطرب قبل وأثناء وبعد الثورة، كشف الحكم عن اهتراء مؤسسات الدولة وفسادها وعدم قدرتها أو رغبتها فى كشف الحقائق، فلم نعرف حتى الآن من سرق وحرق وقتل وأخفى وهرّب، فوضى وغياب للمعلومات، حتى أننى أرى كلمة القاضى أحمد رفعت، قبل النطق بالحكم وقبل مغادرته منصة القضاء للأبد، محاولة للاعتذار عن عدم قدرته -بما بين يديه من أوراق هزيلة- على الإدانة بالرغم من يقينه بالفساد، وأرى أن ما بين يديه من أدلة لا يدين أحداً، بمن فيهم حسنى مبارك وحبيب العادلى، فأدانهما بتهمة الامتناع وهو يوقن كرجل قانون أن الحكم سينقض عند الطعن عليه أمام محكمة النقض.
تخيل نفسك للحظة أم أو أب شهيد، بماذا ستشعر، دم ابنك راح هدراً، مَن قتله حر طليق، لا يهمنى مَن يدان أو يُبرأ، أريد فقط أن يرتاح قلبى وأرى القاتل وأفرح بالحكم بإعدامه، أما أن أراه حراً طليقاً لفساد ونقص فى الأوراق، فهذا شىء قاتل، نفس الإحساس لدى آلاف المصابين وأسرهم وشباب الثورة الصادق الذى خرج إلى الشارع باحثاً عن مستقبل أفضل، فوجد الماضى مبرأ حراً أمامه، فماذا تنتظرون منه؟!
الخروج للشارع من هؤلاء أمر طبيعى ومشروع، المشكلة الحقيقية أن القوى السياسية المختلفة قررت استثمار الموقف، مَن يرى أن الفرصة ضاعت أو ستضيع من بين يديه، ومَن يريد إفشال ما تم لنبدأ من جديد لعله يجد لنفسه مكاناً، ومَن يسعى لإبقاء المجلس العسكرى فى الحكم حتى لا يسلم السلطة فى 30 يونيو.
الكل يطالب ويطرح فى الوقت الخطأ، نعم ما تم كان خطأ وكارثياً ولكن النكوص عنه الآن أخطر، الجولة الأخيرة للانتخابات بعد أيام، والحديث الآن عن مجلس رئاسى أو تأجيل أو إلغاء للانتخابات، والشارع منفلت ومضطرب وفاض الكيل والفقر بالشعب، فما الذى تنتظرونه؟!
نحن نسير إلى فوضى عارمة، قد تسيل فيها دماء جديدة، ونحن عاجزون عن إعادة حق ما راح فما بالنا بما هو آت، فتختلط الأوراق ويصبح الانتقام هو عنوان المرحلة، وقتها قد يرى البعض فى الواقع غايته، ويحدث التدخل العسكرى، ثورة جديدة، انقلاب عسكرى، سموه ما شئتم، ووقتها سيضيع كل شىء.
فلندع الانتخابات تكتمل، وليأت مرسى أو شفيق، ولنشكل هيئة وطنية تضم القوى والرموز المصرية، لفهم المرحلة اللاحقة للثورة، لكشف الحقائق، وتحديد المسئولين عن إفسادها بكل صراحة وتقديمهم للمحاكمة، ولتكن هذه الهيئة الممثلة للقوى الثورية الوطنية هى الرقيب على أى رئيس.. المهم أن نجتاز هذه النقطة الحرجة التى يحركها كل طرف حسب غايته وأهدافه.. ربنا يستر.