هل يستطيع واحد من «الإخوان» أو من الموالين لها أن يجرؤ ويقول لأهالى بورسعيد: «عليكم باحترام القضاء وأحكامه»؟ الإجابة «لا أحد يستطيع».. والسبب ببساطة أن الإخوان أول من حرّضوا المجتمع على هدم القضاء والاعتراض على أحكامه، ولم يحاولوا أن يربّوا المجتمع على خُلق احترام منصة القضاء.
لقد سبق للجماعة أن أعلنت فوز مرشحها قبل انتهاء عمليات الفرز فى الانتخابات الرئاسية فى تحدٍّ سافر قبل أن تقوم اللجنة العليا بإعلان النتائج الرسمية، كما مارست ضغوطاً نفسية ومعنوية ضد المحكمة الدستورية التى تعدّ الثالثة بعد الألمانية والإيطالية فى تصنيف الأمم المتحدة، متفوقة على الفرنسية والأمريكية.
كما أن د. محمد مرسى سبق له أن خرج للشارع فى محكمة القرن اعتراضاً على حكم القضاء، كما خرج السلفيون فى العباسية اعتراضاً على اللجنة العليا للانتخابات، وعمل مرسى وجماعته على الاعتراض المهين على أحكام القضاء فى مواقف كثيرة قبل أن يسير أهالى بورسعيد على هذه السُّنة السيئة.
إن اعتراض أهالى بورسعيد على حكم المحكمة الذى أدى، حتى كتابة هذا السطور، إلى 32 ضحية.. هذا الاعتراض سبقه طوال الشهور الماضية تصريحات واضحة ومتكررة من خيرت الشاطر ومحمد بديع وحسن البرنس وعصام العريان ومحمد البلتاجى وصبحى صالح ومحمود غزلان وحسين إبراهيم وغيرهم تدعو الناس إلى التشكيك فى القضاء ومنصته وفى نزاهته وفى حيدته وفى أحكامه، فلماذا إذن الغضب من البورسعيدية؟!، وهل حركهم لحرب الشوارع، إلا أنهم تأثروا بهذا، فتشككوا فى القضاء وفى نزاهته وفى حيدته وفى أحكامه؟!!
لقد صدر الإعلان الدستورى المكمل لعزل النائب العام، وتحصين «التأسيسية والشورى»، وعدم جواز الطعن على قرارات الرئيس، ثم أشعلت أزمة تعيين النائب العام، وبعد فاصل من الاستعلاء والاستقواء زعموا أن إصدار هذا الإعلان كان لإجهاض مؤامرة انقلاب ضد الرئيس، دُبِّرت بواسطة القضاة، وهو اتهام تبيّن كذبه، ثم هم يطالبون أهالى بورسعيد باحترام القضاء، وفاقد الشىء لا يعطيه.. والشاعر يقول: لا تنه عن خلق وتأت مثله/ عار عليك إذا فعلت عظيم.
الإخوان للأسف يقيّمون الهيئات والمواقف بمعيار واحد هو مصلحة الجماعة، فالقضاة أصحاب النزاهة والعدل إذا أصدروا حكماً فى صالح الجماعة، وهم الطغاة والمسيسون إذا أصدروا أحكاماً ضدهم، فسبّوا فاروق سلطان فى موضع ومدحوه فى آخر، وهذا ما ورثته عنهم جماهير بورسعيد، بل عامة الجماهير المصرية، فزالت هيبة القضاء من النفوس، وقبلها زالت هيبة الشرطة، ومن ثم فهم يتحملون المسئولية الأخلاقية من هذه الزاوية.
لم يقل الإخوان للمجتمع احترموا منصة القضاء، لأن البرلمان المصرى طوال تاريخه لم يشهد وجود عدد من النواب المعارضين فى عهد مبارك إلا عندما أشرف على الانتخابات فى 2000، حيث نجح أكثر من 51 نائباً، وفى برلمان 2005 نجح 88 نائباً للإخوان.
وقد قرأت أن كل معارك مبارك مع الإخوان لم يقضِ القضاء فيها بحكم إدانة واحد على قيادات وأعضاء الجماعة مطلقاً، بل كانت السمة العامة هى الحبس الاحتياطى ثم الإفراج، وجميع الأحكام التى صدرت بحق قيادات الإخوان قضى بها القضاء العسكرى، لا القضاء الطبيعى الذى نكّل به الإخوان وهم اليوم يندمون.
إن هذا الهجوم الشرس من قبل الإخوان والمتعاطفين معهم واتهامهم القضاء المصرى بالتسييس وتشكيكهم فى قضاة مصر وتعريضهم لأبشع عمليات القمع والإرهاب والإهانة.. هذه التصرُّفات نجنى ثمارها اليوم فى صورة قتلى وجرحى ودماء فى بورسعيد اعتراضاً على أحكام القضاء.