الخطر لا بد أن يجمعنا والخوف يجب أن يبقينا على قيد الحياة، هكذا فلسف بطل الفيلم البديع «حياة باى» مغامرته المثيرة وفسر سر بقائه على قيد الحياة برغم أن كل المقدمات كانت تؤدى إلى نتيجة واحدة وهى موته المحتوم، أدعو كل النخب السياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار لمشاهدة هذا الفيلم الرائع الذى يعلمنا أن العيش المشترك ممكن حتى ولو مع نمر ولو فى أعتى العواصف والأنواء فى محيط هادر، وأن الدين والإيمان مسكن كبير به حجرات كثيرة كلها تؤدى إلى الله والشك موجود فى كل الحجرات وأحياناً يكون ضرورة لتقوية الإيمان! هكذا قال «باى»، بطل الفيلم، للروائى الذى جاء يبحث عن موضوع لروايته وأيضاً جاء ليبحث عن أجوبة لأسئلته الوجودية حول الإنسان والله.
الفيلم معجزة فنية على كل المستويات، فالرواية اعترف كاتبها نفسه بأنه من المستحيل تحويلها إلى سينما، والموضوع فلسفى عميق يستخدم خيال الأطفال للإجابة عن أخطر الأسئلة الفلسفية التى واجهت الإنسان عن ماهية وجوده ومغزى حياته وجدوى الإيمان، أما الإخراج والتصوير والمؤثرات فقد بلغت أقصى مدى إعجازى من الممكن أن يصل إليه مخرج فى العصر الحديث، فأن يصل خيال مخرج إلى صنع فيلم فيه نمر مصنوع بالكمبيوتر ولا يمكن أن تشك للحظة بأنه غير حقيقى، محصور فى مركب مع صبى كل هذه المدة ولا يكسر الإيقاع ولا تصاب بالملل، وعندما يستخدم النمر الحقيقى يستخدمه فى بعض المشاهد القليلة ومنها مشاهد مصارعة الغرق حتى تكون الصورة أكثر صدقاً، أنت فى هذا الفيلم مع رهافة إحساس ساحرة وشفافة، من مشهد البداية الذى تتجول فيه بأرجاء حديقة الحيوان إلى مشهد الحلم الذى باغته وهو يستقبل الموت على مركبه المنكوب، الحلم الذى تتشكل فيه من ذرات العاصفة بورتريه الحبيبة المعشوقة يطل علينا ويحتضننا عبر الشاشة، الفيلم لا ينتصر لرؤية ووجهة نظر على الأخرى ولكنه يدعوك للتفكير والتأمل بصوفية عذبة وإيقاع لاهث، مع الله الحياة أجمل، مع المغزى الدنيا أروع، هذا الطفل الهندوسى ابن الثقافة التى تحتضن آلاف الآلهة أحياناً يذهب إلى الكنيسة وأحياناً يجذبه المسجد، والده ملحد من الهند الجديدة يمتلك حديقة حيوانات فى الجزء الفرنسى من الهند يقرر السفر إلى كندا على متن سفينة يابانية هو وحيواناته بعد الاضطرابات، تغرق السفينة ولا ينجو إلا الصبى «باى» وضبع وأورانج تاون وحمار وحشى ونمر، تتطور الأمور ولا يبقى إلا الصبى والنمر، خوفه من النمر هو الذى جعله حياً ويقظاً، وتوفير احتياجات النمر هو الذى جعله يخترع ما يعينه على استكمال الرحلة التى تجاوزت المائتى يوم، وعندما حط الرحال على جزيرة وظن أن الله قد نساه إذا بالرب يبعث إليه بزهرة لوتس تخبره أن هذه الجزيرة تأكل اللحم وتسمم الكائنات، وعندما يتم إنقاذه لم تصدق الشركة اليابانية حكايته الأسطورية وطلبوا منه حكاية واقعية تنفعهم فى كتابة التقارير فاخترع لهم قصة مزيفة.
الفيلم ملىء بالتفاصيل والإيحاءات والرموز والمعانى، ولكن أهمها أن الكون يتسع للجميع وأننا ننظر طيلة حياتنا من ثقب الباب الضيق برغم أننا وبمنتهى السهولة نستطيع أن نفتح الباب ونطل على كافة تفاصيل المشهد الرحب الجميل المبهج.