لم يكتف المتشيخون بخداع الناس بالقول بتحريم التصويت لفلان ووجوب التصويت لمنافسه، بل أضافوا نوعا آخر من الخداع لتكتمل المنظومة وهو القول بوجوب الإدلاء بالصوت وتحريم المقاطعة.
ومعروف أن الشهادة واجبة، وكاتمها آثم بنص القرآن، لكن مما تعلمناه من أهل العلم قولهم: «العلم جمْع وفرْق»، بمعنى جمع ما يظن أنه مفترق وتفريق ما يظن أنه مجتمع.
ومن الخداع بالشرع إيهام الناس أن الشهادة محصورة فى صورة واحدة هى الذهاب للصناديق، بل للشهادة صور أخرى لا يمارى عاقل فى جوازها شرعا، مثل: «إبطال الصوت» بالمقاطعة أو بالشطب عليه فى حالة أن لا يرى الناخب من يصلح للمنصب من الاختيارات الماثلة أمامه.
وأن الحرمة المقصودة من كلام العلماء «الثقات» فى كتمان الشهادة إنما تسرى على من قاطع الانتخابات تكاسلا، لا من قاطعها لرؤية سياسية لها مبرراتها، فهذا لا يعد كاتما للشهادة، بل تعد مقاطعته عين شهادة الحق.
والممتنع يقصد من وراء امتناعه:
1ــ سحب «الشرعية الشعبية» من المرشح، والاكتفاء بحصوله على الشرعية «الصندوقية».
2ــ لا يستطيع من صوّت لـ (السيئ أو الأسوأ)أن يقف ممن اختاره ساعة نجاحه موقف المعارض، خاصة فيما علم فيه من صفات سيئة يتأكد أنها لن تتغير بعد نجاحه.
فضلا عن أننا لا نستطيع الجزم بأن الامتناع يصب فى مصلحة شخص معين، وبالتالى فإن المقاطعة لا إثم ولا حرمة فيها لا من بعيد ولا قريب.
بل إن «شبهة التحريم» ربما تلاحق من اختار «السيئ أو الأسوأ» ما لم يكن مضطرا لهذا الاختيار، وقد ارتفع هذا الاضطرار شرعا بوجود مخرج ثالث هو إبطال الصوت.
وإذا كان «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، فإن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، والممتنع عن المساهمة فى الباطل له الثواب.
والخلاصة فى التقسيم التالى:
1ــ أن الذى يرى أحد المرشحَين مناسبا للمنصب وجب شرعا التصويت له، والامتناع عن ذلك حرام، وأن مقياس المناسبة ليس هو الرشوة وشراء الأصوات ودغدغة المشاعر بشعارات الدين أو الاستقرار أو الوطنية، بل بمدى حفاظ المرشح على دم الشهداء، وأهداف الثورة، ومرجعية الأزهر.
2ــ الذى يرى أن كلا المرشحَين غير مناسب؛ لأنهما فى رأيه بين (سيئ أو أسوأ) فله الحق شرعا فى عدم التصويت لهما، إذ لا يستساغ شرعا التصويت للسيئ أو الأسوأ إلا فى الضرورة، وقد انتفت الضرورة بوجود مخرج ثالث هو المقاطعة.
3ــ إن خطأ «الهواة من المشايخ» جاء بسبب عدم تفرقتهم بين من قاطع الانتخابات تكاسلا ومن قاطعها لموقف سياسى معتبر، فعمموا الحرمة، والصحيح أن الحرمة تلحق الأول لا الثانى.
4ــ إن على كل مرشح التركيز على التسويق لنفسه بدلا من الهجوم على منافسه، حتى يكون تصويت الناخب اقتناعا به وليس تصويتا عقابيا لمنافسه، إلا إذا كان فى منافسه خلل فهنا عليه بيانه وفق أخلاق المنهج المحمدى، على صاحبه أطيب الصلوات وأزكى التسليمات.