للشاعر العراقى أحمد مطر بيت شعر لطيف يقول فيه: «من يملك القانون فى أوطاننا.. يملك حق عزفه». لا أجد تعبيراً أظرف من هذه العبارة الشعرية فى وصف موقف بعض الأصوات «الفلولية» التى أخذت تصرخ فى البرامج التليفزيونية ناكرة ومنكرة على أهل التحرير ومَن احتشدوا فى الشوارع والميادين بالمحافظات اعتراضهم على الأحكام التى صدرت بحق المخلوع وعصابته، وعتبت عليهم عدم احترامهم للقانون والقضاء. أمطرنا هؤلاء بسيول من الكلمات وعظونا فيها بالتسليم بأحكام القضاء وعدم الاعتراض عليها، واشتغل قاموس العيب عليهم بشدة وهم يتحدثون عن الشموخ والنزاهة والرموز التى لا يصح أن يتطاول عليها أحد حتى ولو أخطأت.. فاتهم فقط أن يختموا «عظتهم» لنا بعبارة: «الرضاء بالمقسوم عبادة».
ولست أدرى كيف يبرر هؤلاء «الرغَّايون» إمطارنا بهذه «الرغاوى» الكلامية حين يتصل الأمر بالثورة والثوار، فى الوقت الذى يبتلعون فيه ألسنتهم عندما يتم صفع القانون على «قفاه» ويترخص الكثيرون -حتى من بين أعضاء الهيئة القضائية- فى التعامل مع أحكامه، أين هؤلاء من المحاكمات العسكرية لشباب الثورة.. ولماذا لم تمطر علينا «رغاويهم» اللفظية عندما قام المستشار عبدالمعز إبراهيم، رئيس محكمة الاستئناف، بتنحية المستشار محمد شكرى، المسئول عن قضية التمويل الأجنبى، وسمح بتسفير المتهمين الأمريكان فيها؟ طيب دعك من هذا وتعال لموضوع العزل السياسى، ألم يقم مجلس الشعب بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية لينص على عزل فلول النظام السابق ووافق المجلس العسكرى على التعديل.. لماذا أصيبت هذه الألسنة المتحركة بالخرس عندما داست اللجنة العليا للانتخابات على كل ذلك وقررت دخول أحمد شفيق إلى حلبة المنافسة على الانتخابات الرئاسية؟!
القانون يا «رغاوى» غير «الآنون». ومؤكد أن الذى يخلط بينهما عنده «عمى ألفاظ». «الآنون» آلة موسيقية معروفة تعتمد على فكرة العزف على الأوتار، وهو آلة مهمة من آلات «التخت الشرقى»، والكثير من الراقصات يفضلن «هز الوسط» على أوتاره التى تعلو وتهبط بالأنغام بصورة تغرى بالتمايل معها، مرة فوق ومرة تحت، مرة يمين ومرة شمال، والرقص كما الرزق يحب «الخفية». ومن الأخطاء الشائعة أن يخلط البعض بين الآنون والقانون، فيرون فى الأخير آلة من آلات العزف ووسيلة من وسائل «الرقص» أو «ترقيص» الشعب. هذا الخلط ما بين اللفظين يدفع بعض المشتغلين بالقانون إلى التعامل معه بمنطق «الآنون» فتجدهم يرقصون على الحبال ويشدون الوتر ويرخونه كما يحلو لهم، ويعدون القاتل بالنجاة من حبل المشنقة، ويحلفون بالأيمان المغلظة لفاسد الذمة بأنه سوف «يطلع» من التهم الموجهة كما «تطلع» الشعرة من العجينة، وكله بالرقص على حبال القانون الذى أصبح «آنون»، وأصبح المشتغل به «آنونجى»!