تعد ٣٠ يونيو وبحق أعظم ثورة شعبية فى التاريخ المعاصر، عظمتها تأتى من كونها ثورة شعبية لا نخبوية، ثورة شارك فيها ملايين المصريين الذين خرجوا دفاعاً عن هوية بلدهم ونمط الحياة المتوارث عبر آلاف السنين. ثورة كان لها من التداعيات ما جعل آثارها تتجاوز مصر والإقليم إلى العالم أجمع بعد أن أطاح الشعب المصرى بمخطط أمريكى كان يستهدف تمزيق المنطقة بالكامل.
ولدت الثورة آمالاً عريضة لدى المصريين وكانوا يأملون فى بناء نظام ديمقراطى حقيقى، بالتدريج لا قفزة واحدة، بناء دولة مؤسسات حقيقية، دولة مواطنة. ولكن منذ الوهلة الأولى لنجاح الثورة بدا واضحاً أن هناك بطئاً شديداً فى إيقاع التحرك من قبَل الحكومة، كنا نتفهم حالة الضعف والوهن التى كانت عليها مؤسسات الدولة، حالة الاختراق التى أحدثتها الجماعة فى كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها، حالة الحصار والضغط الدولى، حالة الفوضى التى حاول التنظيم نشرها فى البلاد، وهى الفترة التى استمرت طوال عام حكم الرئيس عدلى منصور. ومن بين الآثار الجانبية لذلك العام وضع بذور تفكك تحالف ٣٠ يونيو وذلك بسبب بطء وتردد الحكومة من ناحية، واتخاذ قرارات دون حوار مجتمعى مثل إصدار قانون التظاهر.
راهن الشعب المصرى على حدوث تغيير حقيقى مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم فى يونيو ٢٠١٤، وكان الرهان على إعادة اللحمة لتحالف ٣٠ يونيو، لم شمل كل مكونات التيار المدنى الذى أوصل «السيسى» إلى الحكم، بدء تطبيق سياسات العدالة الانتقالية، وضع أسس العدالة الاجتماعية، وإصدار القوانين المكملة للدستور، توسيع نطاق النخبة السياسية لتتجاوز أهل الثقة إلى أهل الخبرة، بناء دولة القانون والمواطنة، تقليص دور المكون الأمنى كثيراً لحساب المكون السياسى الذى يزن الأمور من منظور شامل لا من زاوية الأمن فقط.
والحقيقة أن سياسات النظام صدمت توقعات غالبية مكونات تحالف ٣٠ يونيو؛ فالفردية كانت سمة العمل، وغلب المكون الأمنى على ما عداه من اعتبارات، ودولة القانون لم توضع لبنة واحدة فى البناء الخاص بها، واستمرت سياسات جرح قيمة المواطنة حيث جرى «تدليع» التيار السلفى والحفاظ عليه وحماية دوره، فواصل هذا التيار إفراز سياساته المقيتة من إرسال مقاتلين للحرب ضد نظم حكم عربية، كما هو الحال فى سوريا، تفجير الاعتداءات الدينية بحق الأقباط لأسباب متنوعة أغلبها الحشد للاعتداء بدعوى إقامة صلوات فى أحد المنازل، أو الرغبة فى الاستيلاء على ممتلكات أقباط. العجيب حقاً هنا هو تبنى أجهزة الأمن لهذه الاعتداءات ورعايتها للمعتدين والمساعدة على تهريب الجناة من تطبيق القانون، يحدث كل ذلك ولا رد فعل سياسياً من رأس السلطة، تكاثرت الاعتداءات على الأقباط مع حالة صمت سياسى مطبق يعكس قبولاً ومباركة أو على الأقل تفهماً لما يجرى من اعتداءات. تكاثرت أخطاء النظام بل وخطاياه بحق مكونات تحالف ٣٠ يونيو، من قانون التظاهر، إلى الاعتداءات الدينية، إلى تكتيف البرلمان وتحزيمه وخنق الاتجاهات المعارضة، إلى تضييق الخناق على وسائل الإعلام وتبلور رغبة فى إعادة إنتاج نمط إعلام الستينات، إلى تصرفات أمنية غير محسوبة العواقب فى قضايا عديدة مثل القسوة فى التعامل مع متظاهرى يوم الأرض مقابل رعاية «المواطنين الشرفاء» الذين أتى بهم جهاز الأمن لسب الصحفيين ومجلسهم.
طبعاً لا أحد يجادل فى إنجازات النظام اليوم المادية الملموسة على صعيد البنية التحتية من شبكة طرق وكهرباء وزراعة وعلاج مرضى وعاصمة إدارية جديدة، لكن هذه الإنجازات تبقى فى مجالها وفقط ما لم يتم تحقيق إنجاز مماثل على الصعيد السياسى، الاجتماعى، والثقافى، نريد خطوات جادة على طريق بناء نظام سياسى تعددى، وضع اللبنات الأولى لبناء دولة القانون والمؤسسات، السير على طريق إصلاح حقيقى للتعليم وتنظيم مجال الإعلام وتحديث الخطاب الدينى والسير خطوات حقيقية على طريق بناء دولة المواطنة وفصل الدين عن السياسة، وهى جوانب لم يبدأ النظام فى التعامل الجدى معها بعد.