الثلاثون من يونيو حدث تاريخى بكل المقاييس، وهو مع قرينه الخامس والعشرين من يناير يمثلان أكبر انعطافين فى السياسة المصرية منذ يوليو 1952، لم يؤسس الخامس والعشرون من يناير نظاماً سياسياً متبلوراً يستحق وصفه بنظام يناير، لكنه أفسح المجال للإخوان لتجريب حظوظهم فى ممارسة السلطة، فكان ما فعلوه فى عامهم الأول كافياً لإنهاء «مشروع النظام الإخوانى»، على العكس من ذلك، نجح الثلاثون من يونيو فى تأسيس نظامه السياسى، وهو إن كان ما زال نظاماً قيد التشكيل، إلا أن ملامحه الكبرى أصبحت واضحة بلا لبس.
نظام الثلاثين من يونيو نظام تنموى، يضع التنمية الاقتصادية هدفاً يكاد يكون وحيداً على رأس أولوياته، المشروعات التنموية الكبرى بعيدة المدى والعائد، ودعم الاستثمارات الخاصة الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع وحماية المنتجات المحلية، وتطوير سياسة صناعية، يمكن لها لو اكتملت أركانها بإصلاح إدارى يزيل المعوقات، أن تقودنا بعيداً عن اقتصاد الخدمات والريع الذى ورطتنا فيه أنظمة سابقة.
نظام الثلاثين من يونيو عينه على الفقراء وإن كانت «الإيد قصيرة»، نسبة الفقراء فى مصر تقترب من نصف السكان، وهى نسبة كبيرة جداً يصعب النهوض بأوضاعها دفعة واحدة فى فترة قصيرة، الفقراء هم أكثر المستفيدين من مشروعات البنية التحتية الكبرى، ففرص العمل التى تولدها هذه المشروعات فى مرحلة الإنشاء تذهب للفقراء أكثر من غيرهم، تطوير وإحلال العشوائيات والقرى الأكثر احتياجاً مظهر آخر من مظاهر تركيز نظام يونيو على الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً، المشروع القومى لعلاج مرضى فيروس سى هو مشروع موجه لفقراء المرضى أكثر من غيرهم ممن لديهم القدرة على تحمل نفقات العلاج الباهظة.
نظام الثلاثين من يونيو لا يثق فى النخب السياسية، شارك هؤلاء فى حشد الثلاثين من يونيو، لكن الشراكة بين الطرفين لم تدم طويلاً، الانسحاب المبكر للدكتور البرادعى من المشهد أعطى لخصوم النخب المدنية أوراقاً استغلوها جيداً، الخبل الثورى لشبان التيار المدنى الأكثر راديكالية أضعف موقف النخب المدنية الضعيف أصلاً، ومنح الخصوم أوراقاً إضافية، كتبت النخب المدنية دستوراً لا بأس به، لكن ضعفها المزمن ساعد على تحويله إلى لوحة جميلة على الحائط لمباهاة الأمم، دستور رئاسى واقعى، فيه خطوات أساسية للأمام، ويعكس التوافقات وعلاقات القوى، وإن لم يكن نموذجياً، أفضل من دستور لا تسنده علاقات القوى، ويدل على سذاجة كتابه.
شكوك نظام الثلاثين من يونيو فى النخب السياسية لا تقتصر على المعارضة منها، لكنها تشملها جميعاً، النخب المعارضة مكروهة لمواقفها ومطالبها، والأخرى مشكوك فيها بسبب عدم الجدية والطموحات الخاصة، حتى النخب البيروقراطية المهيمنة على جهاز الدولة مشكوك فيها بسبب الفساد المستشرى، وما قضايا الفساد المتوالية سوى مؤشر على هذا الشك.
الجيش هو موضع ثقة نظام الثلاثين من يونيو الوحيد، وعليه يعتمد لتحقيق الأمن والتنمية وضبط الحياة السياسية، كفاءة الجيش الأمنية لا غبار عليها، وانضباطه ونزاهته يؤهلانه لدور تنموى يعوض فساد البيروقراطية وضعف كفاءتها، وسياسة القبضة الحديدية فى السياسة تنسجم مع دور الجيش فيها.
نظام الثلاثين من يونيو لا يحب الأحزاب السياسية ولا يرى فيها فائدة حقيقية، النظام الانتخابى المدمر للأحزاب السياسية الذى تم تطبيقه يشير إلى ذلك، نظام الثلاثين من يونيو لا يرى فائدة حتى فى الأحزاب المؤيدة له، وما إهدار فرصة بناء جبهة مصر بلدى وحزب الجبهة الوطنية -بعد تحريره من أحمد شفيق- إلا مؤشر على ذلك، فكلها أحزاب بنتها نخب سياسية قديمة لا يثق فيها النظام، رغم تأييدها المعلن، الأحزاب التى بناها نظام الثلاثين من يونيو بمعرفته أبعد من أن تكون أحزاباً حقيقية، فهى أحزاب تم بناؤها لاستيفاء شروط اللعبة الانتخابية، وقد تبقى أو تختفى أو تتحول حسب الحاجة.
نظام الثلاثين من يونيو يخلق نخبته الجديدة التى ما زالت قيد التشكل، مشروع تدريب الشباب على القيادة هو فى جوهره مشروع لتكوين نخبة جديدة ستظهر آثاره تدريجياً، النخب التكنوقراطية التى يشاورها الرئيس فى قضايا الاقتصاد والتعليم والتنمية الاجتماعية تحظى بثقة نظام الثلاثين من يونيو، فهى قليلة الكلام والظهور ومحدودة الطموحات السياسية، وكلها بالنسبة لنظام الثلاثين من يونيو دليل على الإخلاص والتجرد.
نظام الثلاثين من يونيو يحب الجماهير، فبفضل احتشادها قام النظام، وبفضل تأييدها بقى صامداً فى وجه التحديات. جماهير الثلاثين من يونيو كبيرة، لا يضمها تنظيم ولا حزب ولا إطار، ونظام الثلاثين من يونيو يحبها على الحال الذى وجدها عليه، الرئيس السيسى يتمتع بثقة أغلبية كبيرة من المواطنين الذين يتواصل معهم مباشرة عبر أحاديثه وخطاباته، ويفضل لهذه الصلة المباشرة أن تستمر دون وساطة قيادات أو أحزاب.
نظام الثلاثين من يونيو يحب الشباب، لكنه لا يحب المشاغبين منهم. الفيس بوك -ملتقى الشباب المفضل- ليس من ضمن الساحات المحبوبة لدى نظام الثلاثين من يونيو، شباب 30 يونيو المفضلون مشغولون بالإنتاج والإعمار والاستثمار والتطوع التنموى، والقليل منهم فقط مشغول بالسياسة. هؤلاء هم الغالبية العظمى من الشباب فى بلد لا تمثل فيه السياسة هواية شعبية إلا بشكل استثنائى متقطع.
نظام الثلاثين من يونيو يريد الإسلام مصدراً للأخلاق العامة وهوية الأمة، ولكنه يرفضه مسيساً ومصدراً لأيديولوجيا سياسية. نظام الثلاثين من يونيو وسطى يوازن بين الأصالة والمؤثرات المقبلة من الخارج، خاصة الغرب. نظام الثلاثين من يونيو ليس دينياً ولا علمانياً، إنما هو حامل لتقاليد الإصلاح الإسلامى التى أرسى مبادئها الشيخ الإمام محمد عبده، وهى نفس التقاليد التى ألهمت نظم مصر الحاكمة طوال القرن العشرين.
نظم الحكم فى حالة تحول وتغير دائم، فأى من ملامح النظام السابقة سيتغير، وأيها سيتعزز ويرسخ؟ هذا هو سؤال العامين المقبلين.
الجيش هو موضع ثقة نظام الثلاثين من يونيو الوحيد، وعليه يعتمد لتحقيق الأمن والتنمية وضبط الحياة السياسية، كفاءة الجيش الأمنية لا غبار عليها، وانضباطه ونزاهته يؤهلانه لدور تنموى يعوض فساد البيروقراطية وضعف كفاءتها.