شهدت الأسابيع الأخيرة تسارعاً ملحوظاً فى أحداث الاعتداءات على مواطنين مصريين أقباط، وتنوعت هذه الاعتداءات ما بين هجوم على منازل قبطية بدعوى نية تحويلها إلى كنائس، أو اتخاذ بعضها للصلاة، وترتب على ذلك شن اعتداءات جماعية على هذه المنازل، طرد قاطنى (العامرية)، شن غارات على المنازل، حرقها ونهبها (كوم الليفى بالمنيا)، قتل، ومحاولة قتل أقباط ما بين طنطا وسوهاج، واغتيال راهبة على طريق إسكندرية الصحراوى. أدت هذه الأحداث المتتالية إلى إثارة جدل شديد فى المجتمع حول حقيقة ما يجرى، وهل هناك سماح رسمى أو على الأقل تواطؤ أو عدم حسم فى التعامل مع مثل هذه الأحداث على النحو الذى جعلها تتكرر. وثار جدل آخر يتعلق بطريقة التعامل مع هذه القضايا والأحداث لا سيما الحرص على تجنيب تطبيق القانون واللجوء إلى جلسات الصلح العرفى التى عادة ما تأتى على حساب الضحية.
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن تصاعد وتيرة الاعتداءات على الأقباط وممتلكاتهم على مدار الأسابيع الأخيرة لا يستبعد أن يكون وراءها خلية إخوانية - سلفية جهادية تستهدف الحياة وممتلكات الأقباط لاعتبارات مزدوجة، فهى تلبى قناعة أيديولوجية من ناحية، وتعتقد أنها بذلك تنتقم من الأقباط، إحدى أبرز دعامات وأسس ثورة الثلاثين من يونيو، وتحرج النظام من ناحية ثانية فى هذا التوقيت، ومحاولة إظهاره بمظهر العاجز عن حماية جزء من مواطنيه، وتدفع قطاعات الشباب إلى اتهام النظام بالمسئولية عن هذه الجرائم. يبدو واضحاً أن ما يقع بحق المواطنين المصريين الأقباط هذه الأيام هو جزء من مخطط للجماعة، وأن هناك خلايا إرهابية ناشطة فى هذا المجال، سبق لها التركيز على ملفات ومجالات محددة، فى فترة ركزوا على استهداف رجال الشرطة، وفى فترة أخرى استهدفوا محطات توليد الكهرباء، وفى تقديرى أنهم قرروا استهداف الأقباط فى هذا التوقيت بعد الفشل فى مواصلة العمليات الإرهابية فى مجالات أخرى، قرروا استهداف الأقباط فى مناسبة ذكرى 30 يونيو، وفى وقت لم تتمكن فيه الدولة بعد من إرساء أسس المواطنة القانونية، فقانون بناء وترميم الكنائس لا يزال حبيس الأدراج، كما أن بيروقراطية الدولة لعبت فى القانون وعدلت بعض مواده على النحو الذى يرفعه من مضمونه الحقيقى ويجعله عبئاً شديداً على الأقباط، ويعقد القضية أكثر كما يحلها. أيضاً يأتى ذلك فى وقت لم يستقر فيه القانون بعد فى بعض أرجاء الدولة المصرية على النحو الذى نشهده اليوم فى سيادة العرف فى مناطق عديدة، وعلى حساب القانون المدنى. ويحدث ذلك فى وقت يبدو واضحاً أن خلايا تابعة للجماعة لا تزال تسكن الكثير من مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة الشرطة على النحو الذى يبدو فى وقائع اغتيال عدد ليس بقليل من رجال الشرطة نتيجة دور هذه الخلايا، ولا يستبعد أن تكون بعض هذه الخلايا وراء تأجيج الاعتداءات التى تقع بحق المواطنين المصريين الأقباط بشكل ممنهج، وتقود طريقة التعاطى الرسمى مع هذه الاعتداءات إلى مزيد من التوتر، الأمر الذى يفرض البحث عن مقاربات جديدة للتعامل مع هذه الأحداث على نحو يفعّل دور مؤسسات الدولة، ويضيق الخناق على الخلايا الإرهابية وفى الوقت نفسه يساعد الدولة على تطوير آليات جديدة فى معالجة قضايا المواطنة، آليات اجتماعية، ثقافية، قانونية وسياسية أيضاً على النحو الذى سوف تتناوله تباعاً.