هالنى وأنا أستمع إلى السيد المستشار أحمد رفعت رئيس هيئة المحكمة التى نظرت قضية محاكمة مبارك ونجليه ورموز نظامه من رجال الأمن، أقول هالنى هذا الكم الهائل من الأخطاء النحوية التى وقع فيها أثناء تلاوته للمقدمة القوية والرائعة التى سبقت النطق بالأحكام، فقد تم كسر قواعد اللغة العربية بطريقة محزنة ومأساوية، تشى بأن علاقة الرجل بأصول النحو والصرف ليست على ما يرام.. كنت أتمنى والحال هكذا أن يقوم أحد ممن لهم إلمام بالقواعد بتشكيل الكلمات حتى يتمكن السيد المستشار من ضبط مخارج ألفاظه بما يتفق وجلال القضاء الذى نحمل له كل احترام وتقدير وإجلال.
من الملاحظ أن ثمة فارقا ضخما بين المقدمة والأحكام، فالأولى كانت توحى بأن مبارك ورموز نظامه لن يفلتوا من الإعدام، وجاءت الثانية مخيبة للآمال، حيث اشتملت الأحكام على: المؤبد لكل من مبارك والعادلى، والبراءة لنجلى الأول ومعاونى الأخير، وهو ما جعل من كانوا بالقاعة تتعالى هتافاتهم بتلك العبارات: الشعب يريد تطهير القضاء.. باطل، باطل.. لقد شابت الأحكام ثغرات أثارت كوامن الأشجان، فقد تساءل الناس: كيف يحصل العادلى على المؤبد ومعاونوه الأقربون على البراءة وهم الذين قاموا بنفس دوره؟ وهل من المعقول أن يكون العادلى قد أصدر أوامره للضباط بإطلاق الرصاص على المتظاهرين مباشرة وبعيدا عن هؤلاء؟ وكيف يصدر حكم البراءة على نجلى المخلوع فيما يخص الأموال التى نهبت وسلبت، والأراضى التى تم الاستيلاء عليها بغير وجه حق؟ وهل من الممكن أن تخفف هذه الأحكام إلى البراءة أو إلى سنوات قليلة بعد الطعن عليها أمام محكمة النقض؟
اندلعت المظاهرات فى جميع المحافظات تعبيرا عن الغضب المكتوم، وتدفق الآلاف إلى ميدان التحرير.. أحس الجميع أنه تم استدراجهم وخداعهم، وأن دماء الشهداء والجرحى والمصابين قد ذهبت سدى، رغم أنه سبق أن صدرت أحكام من قبل بالبراءة لضباط كانوا متهمين بقتل المتظاهرين.. كان واضحا من خلال طمس الأدلة والتخلص من كل الوثائق التى تدين القتلة، أن البراءة فى انتظارهم.. لكن الناس، خاصة أهالى الشهداء والضحايا كان يداعبهم الأمل فى قصاص عادل.. لقد كانت التحقيقات التى قامت بها نيابة أمن الدولة العليا مثار تندر، ولايوجد أمام المحكمة التى تنظر القضية أدلة تعتمد عليها، وطالبها المحامون بإعادة التحقيق من جديد، لكن شيئا من ذلك لم يحدث!
وفى ميدان التحرير، استشعر الشباب أنه لا مفر فى هذه اللحظة الفارقة من استعادة الثورة، وهو ما دفعهم للتفكير فيما يجب عمله.. كان هناك تباين فى الرؤى المطروحة؛ من يطرح فكرة تشكيل مجلس رئاسى مدنى يتسلم السلطة فى البلاد، ومن يستنكر تغيير المسار والعودة إلى المربع رقم واحد، خاصة أننا على وشك اختيار رئيس بعد أقل من أسبوعين؟! الطرح الأول له وجاهته، لكن فات وقته، وقد تكون له عواقبه وتداعياته غير المحمودة.. ثم لكى يتم تنفيذه لا بد له من توافق الجماعة الوطنية، وهو أمر دونه خرط القتاد.. الطرح الثانى هو الأقرب إلى الموضوعية والواقعية، وما علينا إلا أن نمضى فيه بكل عزم، خاصة إذا وضعت ضمانات قوية، دستورية وقانونية ومؤسسية، تحول دون استبداد من سيأتى على رأس السلطة فى البلاد.