أُعلن يوم السبت فى نشرات الأخبار بالإذاعة والتليفزيون عن أن الرئيس سيظهر فى حوار مع الإعلامى عمرو الليثى فى الثامنة من مساء الأحد 24/2، وانتظر الملايين من الشعب المصرى هذا الحوار وتجمعوا أمام شاشات التليفزيون فى البيوت والمقاهى انتظاراً لخطاب الرئيس.. وتأخر اللقاء ولم يُعلَن أى سبب لهذا التأخير واستمر التأخير حتى الساعة الثانية إلا الثلث من صباح الاثنين 25/2، وهذا من الناحية الشكلية يُظهر الرئيس بمظهر المستهين بالشعب خاصة أن الرئاسة لم تبرر هذا التأخير الذى استمر لما يقرب من ست ساعات ولم تكلف خاطرها حتى بالاعتذار عن هذه الاستهانة بالملايين من الشعب المصرى. ولنا أن نتصور ماذا سيكون رد فعل الشعب الأمريكى لو فعل الرئيس أوباما ما فعله بنا الرئيس مرسى.
وكنت أحسَب فى ظل الشفافية، التى يقول الرئيس إنه يحرص عليها وإنه لا شىء يخفيه عن الشعب، أن يكون الحوار مباشراً وعلى الهواء مباشرة حتى يتبين للشعب مدى مصداقية الرئيس فيما يقوله من آراء وما يبديه من أفكار فإخضاع الحوار لعملية «المونتاج» يعطى انطباعاً بأن هناك ما يريد الرئيس إخفاءه عن الشعب حتى فى إجاباته العفوية وانطباعاته وردود فعله على الأسئلة، وهذا من الناحية الشكلية، أما من الناحية الموضوعية فقد أكد الرئيس فى حواره أنه مصمم على فرض سياسة الأمر الواقع برفضه تغيير الحكومة والادعاء بأنه لا يملك سلطة تغيير النائب العام والذى قال عنه الرئيس إنه تحصن بالدستور.
وبالنسبة للنقطة الأولى (تغيير الحكومة) فالرئيس وجماعة الإخوان يدركون أن هذه الحكومة بتشكيلها الحالى خاصة بعد التعديل الأخير بإسناد وزارات التموين والتنمية المحلية والمالية لوزراء من الإخوان المسلمين إضافة إلى وزارتى الشباب والإعلام هى حكومة قادرة على تزييف إرادة الناخبين بالتزوير الناعم عن طريق التحكم فى جميع الوزارات التى لها ارتباط مباشر بالجماهير.
ومنذ أول يوم طالبت فيه جبهة الإنقاذ بتغيير الحكومة وتشكيل حكومة محايدة فإننى أعلنت أن هذا الطلب يستحيل تنفيذه لأن هذه الحكومة لم تأت إلا لمهمة محددة تتعلق بالانتخابات البرلمانية القادمة لتضمن أغلبية مريحة لحزب الرئيس (حزب الحرية والعدالة).
وبالنسبة لموضوع النائب العام فإن الرئيس قد تناسى أنه لم يكن يحق له قانوناً عزل النائب العام السابق د.عبدالمجيد محمود ومع ذلك فقد أقاله بالإعلان الكارثى الذى أصدره فى 22/11/2012 -والذى هو سبب كل ما نعيشه من كوارث الآن- وحين طالبت القوى السياسية والقضاة ووكلاء النيابة بل ومجلس القضاء الأعلى -الذى طلب فى بيان رسمى من النائب العام الاعتذار عن منصبه- حين ووجه الرئيس بكل ذلك فإنه اعتصم بالدستور وبأنه لا يملك ذلك.. والسؤال الذى يطرح نفسه: «هل يصدق الرئيس فعلاً ما يقول.. وإن كان يصدق فهل يعتقد حقاً أن الناس تصدقه؟».
خلاصة الأمرين معاً -تغيير الحكومة والنائب العام- أن الرئيس لن يستجيب لطلبات المعارضة فى أول بندين من طلباتها ومع ذلك وفى نفس الوقت يدعو الرئيس الجميع للحوار وكأن هذه القوى مجموعة من الأطفال، والملاحظ أن الرئيس دائماً ما يدعو للحوار بعد إصدار القرار، حدث ذلك بعد الإعلان الدستورى وبعد إقرار قانون الانتخابات -دون إعادة عرضه على المحكمة الدستورية مع ما فى ذلك من خطورة تتمثل فى إمكانية إبطال مجلس النواب القادم- وكذلك بعد أن حدد مواعيد الانتخابات البرلمانية.
واستنكر الرئيس فى حواره انسحاب القوى السياسية من الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويروج المتحدثون باسم جماعة الإخوان أن ذلك يعود إلى ضعف القوى السياسية المنادية بالمقاطعة وأن هذه القوى لا تتمتع بشعبية فى الشارع تمكنها من خوض الانتخابات على الرغم من اتهامهم لذات القوى بأنها تُعطى غطاءً سياسياً للمظاهرات التى تندلع أسبوعياً ولأعمال العنف والبلطجة بالتأثير والتحريض فالقوى السياسية التى لا تتمتع بأى شعبية قادرة فى نفس الوقت على تحريك الجماهير فى جميع محافظات مصر تقريباً فكيف يجتمع النقيضان؟
وأيا كان وجه الرأى فى شعبية أو عدم شعبية جبهة الإنقاذ فإننى أذكر الرئيس مرسى نفسه وجماعة الإخوان المسلمين بأننا -القوى المدنية والإخوان- قد قاطعنا مناقشة التعديلات الدستورية فى 2007 وانسحبنا من جلسات البرلمان لتسجيل اعتراضنا على هذه التعديلات الجائرة وأذكرهم أيضاً بأن الإخوان المسلمين والقوى المدنية قد انسحبوا من انتخابات الإعادة لمجلس الشعب فى 2010 وكان هذا الانسحاب أيضاً موقفا سياسيا راقيا لتسجيل الاعتراض على التزوير فى الانتخابات وكان يقال وقتها من قادة الحزب الوطنى أن هذا الانسحاب ضعف وعجز وانعدام للشعبية، وحين وصل الرئيس الإخوانى للحكم فإن جماعة الإخوان المسلمين تبنت ما كان الحزب الوطنى يتبناه ووصفت النداء بمقاطعة الانتخابات بنفس الأوصاف والنعوت التى كان يتبعها الحزب الوطنى المنحل، فسبحان مغير الأحوال.
غير أن ما أقلقنى فى الحوار كله هو إجابة الرئيس عن الأوضاع فى سيناء فالسيد الرئيس قال إن الأوضاع «مطمئنة إلى حد كبير» فما معنى كلمة «إلى حد كبير» والسؤال: ما هذا الحد وهل مثل هذه الإجابة رغم عمليات «المونتاج» من شأنها طمأنة الشعب المصرى على هذا الجزء الغالى من الوطن؟
وعلى الرغم من هذا «الحد الكبير» فإننا لم نعلم حتى الآن من الذى اغتال أولادنا الستة عشر من جنود جيش مصر بالرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على هذه الكارثة ونحن فى هذا الموضوع أمام أحد فرضين، الأول ألا تكون أجهزة الدولة من مخابرات عامة ومخابرات عسكرية وأمن وطنى لم تتوصل طوال هذه المدة إلى تحديد الجناة وهذا يلقى بظلال كثيفة من الشك حول كفاءة هذه الأجهزة وهو ما يقلقنا على مستقبل الوطن كله إذ إنه فى أيدى من لا كفاءة لهم.. والثانى أن تكون هذه الأجهزة قد توصلت للجناة ومن يقف وراءهم وهناك من يتستر على هؤلاء الجناة وهذه خيانة عظمى فى حق الشهداء وحق الشعب وحق الوطن؟
ونأتى إلى آخر الحوار وهو المشهد الذى أبكى الرئيس وروايته عن الطفل ذى الأعوام الثلاثة عشر الذى وجدوا فى جيبه شهادة ميلاده وبسؤال الأم قالت إن هناك من أعطاها ستمائة جنيه لترسل الطفل فى أعمال الشغب وإلقاء الطوب وإنها وضعت فى جيبه شهادة ميلاده حتى يُعرف من هو لو قُتل.. وقال إن هناك من يستغل فقر الشعب المصرى وهذا ما لن يسكت عنه، والأسئلة التى تطرح نفسها هى: لماذا لم يحقق مع هذه الأم لمعرفة من الذى أعطاها النقود لتدفع بابنها للتهلكة؟
لماذا لم تظهر هذه الأم بعد التحقيق معها فى قنوات التليفزيون المملوكة للدولة لفضح هذا المخطط؟
ألم تكن هذه الأم كنزاً لمعلومات قد توصلنا إلى الطرف الثالث المتهم دائماً والغائب دائماً؟
وأخيراً: ألم يكن من باب أولى أن يبكى الرئيس على شهداء سيناء والأطفال شهداء قطار أسيوط وشهداء بورسعيد والقاهرة؟
ألم يبك على شباب مصر الأطهار الذين سقطوا فى عهده -والقائمة طويلة- ونذكر منهم على سبيل المثال: جيكا ومحمد الجندى وكريستى والحسينى أبوضيف بل وعلى شهداء الإخوان أمام الاتحادية لأنهم أبناؤنا طبعاً؟
سيدى الرئيس.. أولى بك أن تبكى على ما وصلت إليه مصر من حال وصل بها لأول مرة إلى اضطرابات واعتصامات ومظاهرات وعصيان مدنى، وأولى بك سيادة الرئيس أن تبكى على أن الحال وصل بالمصريين للاقتتال فى الشوارع وإهدار دمائهم على أرض وطنهم.