حكومة «الكعب العالى» تحكم «البرلمان»
علاء عبدالمنعم
«حكومة الكعب العالى على البرلمان»، هذا هو التعبير الدقيق لما شهده دور الانعقاد الأول لمجلس النواب، حيث انتصر الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس للتشريعات المقدمة من الحكومة على حساب مشروعات قوانين «النواب»، لا سيما ما حدث والذى كان محلاً لجدل صاخب، وهو إحالة اللجان النوعية وعلى رأسها «الشئون الدستورية والتشريعية» والمعروفة بـ«مطبخ البرلمان»، مشروعات القوانين المقدمة من عشر الأعضاء إلى الحكومة لإبداء الرأى حولها، بالمخالفة للدستور ولنص اللائحة الداخلية للمجلس، ما أدى إلى تعطيل إصدار تشريعات الأعضاء لصالح الحكومة لمشروعات القوانين الخاصة بها.
المجلس تجاهل مقترحات النواب واهتم بقوانين الحكومة
وما بدا جلياً هو تأخر بعض مشروعات القوانين، على الرغم من إلزام الدستور للمجلس الانتهاء منها، اللهم قانون «بناء وترميم الكنائس»، الذى وافق عليه البرلمان فى جلسة واحدة قبل فض دور الانعقاد، وتشهد مضابط الجلسات أن الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب والمستشار مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب حرص كلاهما على الخروج بالقانون وفقاً للصياغات التى انتهت إليها الحكومة بالتوافق مع الكنائس الثلاث دون تغيير فى الصياغات أو حتى الالتفات إلى مقترحات النواب وتحديداً «الأقباط» منهم، والأكثر من ذلك أنه فى الوقت الذى أنهت فيه لجنة الإصلاح التشريعى، التى صدرت بقرار جمهورى، صياغة عدد من مشروعات القوانين ذات الطبيعة الملحة تم تجاهلها وحفظها فى أدراج مجلس الوزراء دون إبداء الأسباب وراء ذلك.
نعول فى ذلك على قوانين «العدالة الانتقالية» و«الهيئة الوطنية للانتخابات» و«الإعلام الموحد»، حيث انتهت منها لجنة الإصلاح التشريعى، وتقدم عدد من النواب بمشروعات قوانين لتنظيمها، إلا أن الحكومة والبرلمان تجاهلا كل ذلك بحجة أن هذه القوانين لا تزال قيد الدراسة، ولم يقتصر الافتئات من الحكومة على البرلمان على هذا الحد، بل نجحت فى الخروج بعدد من تشريعات «الجباية» فى دور الانعقاد الأول، وعلى الرغم من تصريحات «عبدالعال» بأن البرلمان يقف مع المواطن، إلا أن إجمالى القوانين التى نجحت الحكومة فى إقرارها بالبرلمان تفرض مزيداً من الأعباء على كاهله.
«عبدالعال» يمنح قُبلة الحياة لـ«شريف إسماعيل» ويغفل مناقشة تقارير الرقابية عن أزمات ارتفاع الأسعار وتسريب الامتحانات
ومن أبرز هذه القوانين، قانون الضريبة على «القيمة المضافة»، حيث حرص وزير المالية الدكتور عمرو الجارحى على حضور الغالبية من اجتماعات لجنة الخطة والموازنة لتمرير القانون، الذى يحل بديلاً عن قانون الضريبة على المبيعات، وبموجب هذا القانون، الذى تم إقراره على مدار جلستين تصبح الضريبة المفروضة على بعض السلع ١٣٪ مقابل ١٠٪ المطبقة حالياً فى قانون الضريبة على المبيعات، وذلك بعد مداولات، حيث أصرت الحكومة فى مشروعها على التمسك بنسبة الـ١٤٪، ويرى الخبراء أن هذا القانون أحدث بالفعل بعد إقراره حالة من الارتباك داخل الأسواق، والأوساط الاقتصادية، بشأن التأثيرات والتداعيات المرتقبة على أسعار السلع والخدمات بوجه عام، وليس ذلك هو المشروع الوحيد، فهناك مشروعات قوانين أخرى قدمتها الحكومة ومنها مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة الصادر بقانون رقم ١٠٩ لسنة ١٩٧١، ويتضمن التعديل زيادة الرسم الإضافى الذى يتم تحصيله على بعض الخدمات المقدمة، ومن بينها الرخص والتصاريح والشهادات والمستندات التى تصدرها وزارة الداخلية.
ويأتى مشروع قانون بزيادة الدمغة على الأوراق القضائية لصالح الخدمات الصحية والاجتماعية للعاملين فى القضاء وأسرهم والقوات المسلحة وأسرهم، والعاملين فى الهيئات القضائية، وكذلك قرار رئيس الجمهورية بتعديل بعض أحكام القانون رقم ١١ لسنة ٢٠٠٤ بإنشاء نظام تأمين الأسرة، ويتضمن زيادة رسوم الزواج والطلاق بقيمة ٥٠ جنيهاً وزيادة رسوم مستخرجات شهادات الزواج والطلاق والميلاد والوفاء والقيد العائلى وبطاقة الرقم القومى، وفرض رسوم إضافية على الراغبين فى العمل فى الخارج والأجانب المقيمين فى مصر، ولم يتوقف افتئات السلطة التنفيذية على البرلمان إلى هذا الحد بل وصل إلى حد عدم عرض اتفاقية صندوق النقد الدولى على البرلمان رغم مطالبات الأعضاء بضرورة عرضها.
وعن الجانب الرقابى، منح البرلمان حكومة المهندس شريف إسماعيل «قُبلة الحياة» بإغفاله مناقشة الكثير من الأزمات التى يئن منها المواطن، وعلى رأس هذه الأزمات غلاء الأسعار وتدنى خدمات التعليم والصحة، وعلى الرغم من عقد اللجان النوعية، وإجماليها 25 لجنة، الكثير من الاجتماعات على مدار دور الانعقاد الأول لمناقشة القضايا المتعلقة بالشارع، إلا أن أغلبها تم إدراجه فى تقرير إنجازات كل لجنة دون الوصول إلى حل للمشكلة، سواء فى قطاع الصحة أو التعليم أو الإسكان، الأكثر من ذلك أن «عبدالعال» كان يكلف اللجان المختصة بإعداد تقارير حول هذه الأزمات ولم يتم مناقشتها حتى ولو على سبيل الاستحياء، ودلالة ذلك أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة، وبموجب الإحصاءات، فقد ناقش المجلس ٢٦٥ بياناً عاجلاً، وبلغ عدد الأسئلة التى تقدم بها النواب ٤٧٢ سؤالاً.
وأغفل المجلس مناقشة الاستجوابات المقدمة من النواب حول عدد من القضايا المهمة، وهو ما جعل الحكومه تعيش فى أمان واستقرار بعيداً عن رقابة البرلمان، وتجلى ذلك بوضوح فى الأزمة الأخيرة بين الحكومة والبرلمان حول فساد منظومة القمح، وفقاً لما كشف عنه تقرير لجنة تقصى الحقائق، حيث نجحت الحكومة فى احتواء هذا الطرح بعد الإطاحة بوزير التموين المهندس خالد حنفى وتقديمه استقالته خشية مناقشة البرلمان لاستجوابات النواب، التى كانت ستؤدى حتماً إلى إقالة الوزير.
وقال النائب علاء عبدالمنعم، المتحدث باسم ائتلاف دعم مصر، لـ«الوطن»، إن دور الانعقاد الأول شهد بعض الإشكاليات أهمها إحالة المشروعات التى يتقدم بها النواب إلى الحكومة وهو أمر لم يحدث فى البرلمانات السابقة، الذى ابتدعته اللجنة الدستورية والتشريعية وهو ما قوبل بالاعتراض، لأن هذا الأمر يتعارض مع صريح نصوص الدستور، التى تجعل الأصل فى التشريع لنواب البرلمان والحكومة تنفذ القوانين التى يصدرها البرلمان، مشيراً إلى أنه لا مانع من حضور الحكومة المناقشات التى تجرى فى اللجان وليس إحالة المشروعات إليها، وهذا الأمر سينتفى فى دور الانعقاد المقبل، ولن تحال مشروعات القوانين التى يتقدم بها النواب إلى الحكومة مرة أخرى.
وأكد النائب مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة بالنواب، أن هناك افتئاتاً كبيراً من الحكومة على حساب البرلمان، منوهاً بأن الأصل أن مجلس النواب يقوم بالدور الرقابى على الحكومة، إلا أن هذا لم يحدث بالشكل الذى كان يتمناه المواطن فى الشارع، فلم يناقش البرلمان أى استجواب ضد أى وزير أو الحكومة، لافتاً إلى أن طلبات الإحاطة المقدمة من النواب أو الأسئلة لم يتم الرد عليها للعمل على حل المشكلات الخاصة بالمواطنين.
وأضاف «سالم» لـ«الوطن»: «بصراحة الاستجابة الحكومية كانت نتيجتها «صفر» فى دور الانعقاد الأول، والاهتمام الحكومى كان متعلقاً بسرعة تقديم القوانين التى تراها، خاصة القوانين التى تؤدى إلى الإنفاق أو زيادة الحصيلة الإجمالية، وأكبر مثال على ذلك قوانين الخدمة المدنية والمنازعات الضريبية والضريبة على القيمة المضافة، ولم تتقدم الحكومة بأى قوانين تهم المواطن أو تؤدى إلى تخفيف أعبائه»، مشدداً على أن قيادات المجلس تتحمل جزءاً كبيراً من عدم الاهتمام بمناقشة القوانين أو التعديلات المقدمة من النواب، واهتمت فقط بالمشروعات المقدمة من الحكومة.