لا تسألونى لماذا تذكرنى زيارة وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، لمصر بذلك المشهد الرائع فى فيلم «واإسلاماه» حين دخل مبعوث التتار حاملاً رسالة قائده إلى سلطان المماليك فلم يجد من يحادثه، فقال تلك الجملة الشهيرة التى باتت خالدة فى حوارات المصريين حتى يومنا هذا: «لما أحب أكلم شعب مصر أكلم مين؟». وهكذا جاء مستر كيرى يا مصريين حاملاً رسالة رئيسه، زعيم التتار الجدد فى زماننا، عالماً قبل مجيئه حالة التشرذم والفرقة التى باتت عليها مصر بفعلهم هم ومكتب إخوانهم فى المقطم وزعيم مجلس عسكرهم ممن حكموا مصر وتركوها مهلهلة نظير وعد الخروج الآمن فى الدنيا حيث لا ضامن له فى الآخرة. ولذلك فهو لا يعبأ بمن سيتحدث أو من قاطع الحديث معه، فالجميع سيان. المهم حماية مصالح التتار وإكمال مشروعهم الذى بدأوه وعدم السماح لأحد بتغيير مخططهم. ولذا يبرز السؤال عن مضمون الرسالة التى يحملها رسول التتار لمن سيلتقيهم من السياسيين والعسكريين، أياً كانت اتجاهاتهم. الواقع والمعلومات المسربة يؤكدان أن الرعاية الأمريكية للإخوان ونظام حكمهم ستستمر ولن تنتهى فى هذه الأيام، وواهم من يتصور أن المؤسسة العسكرية قد تتدخل لتلبية مطالب المصريين المنادية باستبدال حكم المرشد ونائبه، بحكم عسكرى جديد. فلم يحضر كيرى من أجل هذا، بل جاء لإفهام شركائه فى الحكم بضرورة السماح للمعارضة بالمشاركة فى حكومة وطنية يتحملون فيها مسئولية عبور تلك المرحلة، مع رسالة موازية للمعارضة بضرورة عدم مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة. وهو ما يفسر ما تم تسريبه منذ يومين من أخبار حول مفاوضات سرية بين الإخوان وجبهة الإنقاذ بإمكانية تغيير حكومة هشام قنديل وتشكيل حكومة أخرى مقابل عدم مقاطعة الانتخابات المقبلة! ولكن المعارضة المصرية فقدت ثقتها فى الإخوان ونظام حكمهم، وأدركوا أنهم يحملون صفات المنافق الثلاث؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. ولذا كان لا بد للمعارضة المرفهة المكتفية بجلسات المكاتب المغلقة، أن يكون لها ضامن لما يمكن التوصل إليه من اتفاقات مع مكتب الإرشاد، ممثلاً فى مندوبه فى قصر الرئاسة. وبالطبع لا يمكن أن يكون هناك أفضل من عراب الصفقة منذ بدايتها مع الإخوان والمجلس العسكرى.. التتار الجدد أو الأمريكان لا يهم فالوصف سواء. ولو أضفنا لتلك المجموعة بعض الشخصيات السياسية من طراز «على حسب الريح» الذين تجدهم فى كل محفل يتحدثون بلغة المائدة التى يجلسون عليها، ويستخدمهم أى نظام كمحلل لما يقوم به من زيجات، تكتمل الصفقة التى جاء من أجلها مبعوث التتار. ولكن يبقى السؤال الأهم: وماذا عن شعب مصر ذاته الذى سيسأل عنه ولا بد رسول التتار؟ هل حسب كل هؤلاء مواقف هذا الشعب الأخيرة؟ هل وضعوا فى حساباتهم جبروته الذى يظهر ويهب بين الحين والآخر كلما ضجر من سياسة حاكميه دون تنبؤ بما قد تنتج عنه تلك الهبّات؟ لا أعتقد أن الشعب قد وُضع فى حسابات الساسة، كل الساسة فى الداخل والخارج. هم يعلمون أن أنفاسه قصيرة وقدرته على الصبر طويلة، ولكن يبقى عامل الاقتصاد هو الفاصل فى ما ستشهده مصر من أحداث فى الفترة المقبلة، وهو ما يراهن عليه الأمريكان أنفسهم الذين يخشون من انهياره وما قد ينتج عنه من هبّات الجوع الشعبى قبل استكمال مخططهم فى هبة النيل. أعلم قتامة الصورة الحالية فى مصر، وأدرك الضيق الطابق على النفوس مما وصلنا له، ولكن كما تذكرت رسول التتار فى فيلم «واإسلاماه» تذكرت بقية المشهد الذى تصدر فيه قطز الموقف فجأة ليصبح القائد الذى وُلد من رحم الأزمة، فحمله شعب مصر على أكتافه وقلدوه سلطاناً عليهم، رافضاً الخضوع للتتار والانصياع لأعوانهم فى مصر.. فهل يظهر قطز جديد من قلب أزمتنا؟ من يعلم؟