بالرغم من الأحداث الدامية التى تشهدها محافظات مصر والتى يتساقط فيها الشهداء وتنهار معها هيبة الدولة فى بورسعيد والمنصورة والمحلة وطنطا وكفر الشيخ والإسكندرية والقاهرة وبالرغم من حالة الاحتقان الشعبى فى معظم محافظات مصر لم تُفكر مؤسسة الرئاسة أو حزب الحرية والعدالة أو جماعة الإخوان المسلمين فى وضع حد لهذه الحالة من الغليان اليومى والانفلات والفوضى التى تعُم البلاد لأن طموحات الإخوان وسعيهم المتسارع للتمكن من حكم مصر بالقوة قد أعماهم عن أن هذه المخاطر تُهدد وجودهم من الأساس.
فبعد الإعلان الدستورى المشئوم الذى كان بمثابة إعلان لسقوط الدولة المصرية والذى كشف عن الوجه الحقيقى لجماعة الإخوان المسلمين وبعد الإسراع بوضع دستور غير متوافق عليه وبعد تمرير هذا الدستور وبعد إصدار الرئيس لقانون انتخابات مجلس النواب على ما فيه من عوار وبعد عمل تعديل وزارى يضمن سيطرة الإخوان على وزارات الخدمات والإصرار على عدم تغييرها بالرغم من فشلها فى احتواء أو حل أى أزمة سواء سياسية أو اقتصادية أو أمنية، وبالرغم من كل ماسبق قد تم فى ظل الاضطرابات وحوادث العنف فى العديد من المحافظات احتجاجاً على الكثير من هذه الإجراءات دون الالتفات إليها من قبل السلطة العامة وبالرغم من إعلان رئيس حزب النور على الرأى العام وفى وجود رئيس الجمهورية عن توظيف ثلاثة عشر ألفاً من الإخوان المسلمين حددهم بالأسماء والمواقع خلال الأربعة أشهر الماضية بعد كل ذلك وبالرغم من كل ذلك يُعلن رئيس الجمهورية البدء فى الانتخابات البرلمانية وتحديد موعد لفتح باب الترشيح؟!
إن هذه التصرفات تُثبت أن الإخوان المسلمين يعيشون انفصالاً عن الواقع، فأى انتخابات يمكن أن تُجرى فى ظل هذا المناخ؟ وأى استقرار يمكن أن يتحقق ونحن نغُض الطرف عن ونتعامى عن الأخطار المحدقة بالوطن.
إنهم كمن يحترق بيته أمامه ولا يشغله إلا الإعداد لوجبة الغداء.
فبدلاً من التفكير فى كيفية إزالة الاحتقان والغضب واستعادة هيبة الدولة يُفكرون فى الإسراع بإجراء الانتخابات بدعوى أنها ستحقق الاستقرار باستكمال المؤسسات وأُذكرهم بأن استفتاء 19 مارس 2011 لم يحقق الاستقرار الذى كانوا ينشدونه وكذلك تمرير الدستور الذى به «العجلة تدور» لم يحقق أى استقرار أو إدارة للعجلة بل زاد من الاحتقان وتردى الحالة الاقتصادية والأمنية وكذلك الأمر بالنسبة لمجلس النواب والذى إن قُدر له أن يتم تشكيله -«كما يريد الإخوان»- وليس انتخابه فإن هذا التشكيل لن يُحقق أى استقرار وإنما سيزيد من تعقيد الأمور فالحقيقة التى يتغافل عنها الإخوان أو لا يُدركونها أن الشعب المصرى قد تغير بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ولم يعد يتقبل أن يُفرض عليه طغيان أو استبداد حتى ولو اتخذ -وهماً- شكلا دستوريا أو قانونيا يُراعى استكمال الشكل والديكور ودون مضمون حقيقى يُعبر عن إرادة توافقية لجموع المصريين، وستنتقل أعمال العنف والحصار إلى مجلس النواب الجديد وسيشعر النواب الجدد أنهم محاصرون وأن تجولهم محظور وسط الجماهير كما أن الإخوان الآن -وبعد أن كانوا محل تعاطف جماهيرى- محظور تجولهم فى المحافظات المشتعلة ونُعطى مثالاً على ذلك بمحافظة بورسعيد فهل يستطيع الإخوان المسلمون الآن أن يظهروا علناً فى شوارع المدينة؟ وأين نائب بورسعيد الأشهر الدكتور أكرم الشاعر مما يحدث فى بورسعيد وشعب بورسعيد أين دفاعه عمن أعطوه أصواتهم ونصروه وقت أن كان مُستضعفاً فى الأرض؟ أم أن المشروع الإخوانى عِنده أهم من مناصرة جماهير بورسعيد التى تعلمنا منها الوطنية وهل يمكن للدكتور أكرم الشاعر الذى بكى فى مجلس الشعب على ابنه المصاب أن يُبرر عدم إدانته لمقتل العشرات من أبناء محافظته ولا نقول البكاء عليهم؟ وهل يستطيع الدكتور أكرم الشاعر أن يتجول فى محافظته؟
إن حالة الدكتور أكرم الشاعر هى مثال لكثير من نواب الإخوان الذين فرض عليهم الرئيس مرسى حظر التجول فى دوائرهم بسياساته وعناده الذى يُعبر به عن سياسة جماعة الإخوان المسلمين.
والغريب أن الكثير من المتحدثين باسم جماعة الإخوان يوافقون على سياسات إحباط المتظاهرين بالغاز والخرطوش والرصاص الحى والدهس بادعاء سخيف أن هؤلاء المتظاهرين هم من البلطجية وحتى لو كانوا كذلك -وهم ليسوا كذلك- فلا يحق للسلطة العامة أن تقتلهم وتدهسهم فى مشاهد لم نرها حتى فى تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلى مع المدنيين.
بيد أن العجب يزول لأن الأحرار يدافعون عمن معه الحق والعبيد يدافعون عمن معه القوة فلا تتعجب من دفاع الأحرار عن الضحية ودفاع العبيد عن الجلاد!