يعد البحث العلمى فى شئون الحركة الإسلامية من أهم العوامل لتطوير وتحديث الحركة الإسلامية وتلافى سلبياتها ومعالجة أخطائها وتطوير إيجابياتها ووسائل وآليات عملها وسهولة نقلها من مرحلة الدعوة والجماعة إلى مرحلة الدولة.. ومن مرحلة الدولة إلى مرحلة الأمة والحضارة.. والمساعدة على الجمع بين واجب الشريعة الغراء وواقع الحياة المتغير.
وكذلك الجمع بين كليات الشريعة ومقتضيات الواقع الدولى والإقليمى.. وكيف تتعامل الجماعة أو الدولة ذات المرجعية الإسلامية مع غير المسلمين أو الأفكار السياسية الأخرى فى الوطن الواحد.. مئات القضايا تحتاج للبحث والدراسة والتنقيب والتمحيص من مراكز بحثية متخصصة.. ولكن معظم أطياف الحركة الإسلامية تريد من البحث والباحثين الترويج لأفكارها ومحاربة خصومها.. وهذا الهدف لا يليق بحجم ولا بقدر ومكانة الحركات الإسلامية التى تبوأت اليوم موقع القيادة والريادة وعليها أن تتحمل هذه المسئولية بجدارة.. ومن بين حيثيات تحملها لهذه المسئولية الجسيمة إطلاقها لمراكز البحث العلمى فى كل المجالات العامة وفى مجالات البحث فى شئون الحركات الإسلامية خاصة.
ويمكننا فى هذا السياق أن نذكر مدارس البحث العلمى فى الحركات الإسلامية كالتالى:
1- مدرسة التحليل المعملى: وهى التى تدرس الحركة الإسلامية من برج عاجى انطلاقا من كتبها وأدبياتها دون أن تتعرف عليها على الأرض أو تحتك بها.. أو تقترب من قادتها..2- مدرسة التوظيف الأمنى والسياسى: هى التى نشأت فى ظل حكم مبارك وصدام ومعمر وبن على وغيرهم من الحكام الديكتاتوريين.. وهى التى درست الحركة الإسلامية انطلاقا من التقارير الأمنية.. أو توظيفا لدراساتها لخدمة الجانب الأمنى أو السياسى.. وهذه المدرسة كانت تذكر عيوب الحركة الإسلامية وتتغافل عمدا عن إيجابياتها.. وتتلقف أخطاءها وتضخمها.. وتهمل حسناتها ودورها فى الحفاظ على هوية المجتمع من الذوبان والتغريب.
3- المدرسة الأيديولوجية «مع»: - وهى المدرسة التى تتبع الحركة الإسلامية نفسها.. ويقوم بها بعض أبنائها بتخويل وتمويل منها.. ومعظم دراساتها تكون «مؤدلجة» وتصب فى مدح كل حركة لنفسها وتضخيم إنجازاتها ونفى سلبياتها.. وهذه المدرسة تتخذ من الأعداء والخصوم شماعة جاهزة لتعليق الأخطاء.. ناسين الدرس القرآنى الذى أوضح السبب الحقيقى لهزيمة المسلمين فى غزوة أحد «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ».
4: المدرسة الأيديولوجية «ضد»: وهذه المدرسة «مؤدلجة أيضا» ولكنها فى الطريق العكسى.. أى أنها ضد الحركة الإسلامية على طول الخط.. فلا ترى لها حسنة أو إيجابية.. وإذا رأت حسنة أغفلتها.. وإذا رأت سيئة ضخمتها.
إننا نريد مدرسة تتجاوز الموقف الأيديولوجى مدحا أو قدحا.. وتبتعد عن التوظيف الأمنى أو السياسى.. وتفعّل آليات البحث العلمى الدقيق ولا تحكم على الإسلاميين من أدبياتهم التى تتأخر دوما عن سلوكهم السياسى والاجتماعى والفقهى.. ويكون لها دعم قوى مستقل يغنى الباحثين عن أن يكونوا أداة طيعة لأحد.