«البيئة» تحرم 14 مركزاً بالدقهلية من «جمع القش».. والمتعهدون يشكون الروتين
أحد متعهدى جمع قش الأرز خلال نقله أعلى السيارات
اللحاق بموسم «البرسيم» أهم من عقوبات «البيئة» المغلظة، أو وعودها بمكاسب «تدوير» قش الأرز، فمع انتصاف موسم الحصاد فى الدقهلية، الأكبر فى زراعة الأرز على مستوى الجمهورية، بإجمالى 414 ألف فدان، ما زالت المحافظة هى الأعلى فى معدلات التلوث بأدخنة حرائق القش، رغم تحرير فرق المتابعة البيئية عشرات المحاضر، التى لم تفلح فى إقناع المزارعين بالتوقف عن الحرق، وانتظار دورهم فى «كبس القش».
«البلاسى»: المحافظة تزرع 414 ألف فدان سنوياً.. والمعدات تكفى الجمع من 50 ألفاً فقط.. ومزارعون: يهمنا التخلص من قش الأرز
ومع بداية موسم الحصاد، نشرت وزارتا البيئة والزراعة عدداً كبيراً من فرق مكافحة حرائق القش فى 10 مراكز، من إجمالى 24 مركزاً إدارياً فى الدقهلية، ما أسفر عن تحرير 500 محضر، رغم أن العديد من المزارعين تقدموا بطلبات إلى جهاز شئون البيئة للموافقة على جمع القش، دون أن يتلقوا رداً حتى الآن، وبينهم المزارع عادل محمود، الذى أكد، لـ«الوطن»، أنه يجمع القش من الفلاحين دون أى دعم من «البيئة»، «فكل ما يهمها ألا يرصد القمر الصناعى الحرائق»، حسب قوله، وشكا «عادل» حرمان 14 مركزاً فى الدقهلية من أى معدات لجمع القش، موضحاً: «تركز جهود وزارة البيئة على المراكز التى تثير فيها الأدخنة غضب المواطنين، أو التى تنتقل منها الأدخنة إلى الأماكن الحيوية بفعل الرياح، أما المراكز الشمالية، بداية من منية النصر، والجمالية، وميت سلسيل، والمنزلة، والمطرية، ما يجعل عمليات جمع القش فيها محدودة، فأنا حجزت مكاناً لجمع القش من المزارعين، لكن لم أحصل على موافقة البيئة حتى الآن».
وأضاف: «إيجار معدات التخلص من قش الأرز تتجاوز الـ500 جنيه يومياً، بين جرار ومكبس وعمالة، نتحمل نحن تكلفتها، بينما تتعامل معنا البيئة كما لو كنا نسرقها، رغم أننا مجموعة شباب كل ما يهمنا أن نجمع القش للاستفادة من إعادة تدويره فيما بعد، رغم أن البيئة يفترض أن تتعاون معنا، وتقف خلفنا».
محمد عاطف، أحد متعهدى جمع القش فى بنى عبيد، قال: «أجمع القش منذ بداية موسم الحصاد دون أى تدخل من وزارة البيئة، التى تتركنا للتعامل مع المزارعين، وفى إحدى المرات امتدت نيران حرائق القش من الأرض المجاورة إلى بالات القش التى جمعتها، فضاع مجهودى»، مضيفاً: «نطالب البيئة والزراعة بالتدخل حتى يشعر المزارع بوجودهما على أرض الواقع، بدلاً من الاكتفاء بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية».
المفاجأة التى يكشفها «عاطف» هى ارتباط عدد من مسئولى «البيئة» و«الزراعة» بصلات قرابة ونسب مع العديد من المزارعين فى المدينة، ما يدفعهم إلى «غض الطرف» عن مخالفات حرق القش، متسببين فى خسائر كبيرة لمتعهدى جمع القش، بينما يتم تحرير المحاضر للمزارعين البسطاء، الذين لا ظهر ولا واسطة لهم، على حد قوله.
وأوضح: «تعاقدنا مع وزارة البيئة على جمع وكبس القش، ورغم أن تكلفة النقل مرتفعة، فإننا لا نستطيع صرف أى مبالغ من مستحقاتنا لدى البيئة إلا بعد انتهاء موسم الأرز، بينما تتعامل الوزارة مع الشركات بطريقة مختلفة، فتدفع لها مبالغ نقدية، وتمدها بالمعدات، وهى نفس المعدات التى تم تسليمها لنا بإيجار يومى 180 جنيهاً للجرار، بعد أن دمرتها هذه الشركات تماماً».
المتعهد «ع. س»، الذى تحفظ على نشر اسمه، قال: «نجمع القش فى مساحة فدانين من الأرض الزراعية، وحتى نحصل على دعم البيئة لا بد أن نحتفظ بهذه الكميات ونحرسها حتى ديسمبر المقبل، عندما تأتى لجنة من الوزارة لحصر الكميات المخزنة، ثم صرف 50 جنيهاً عن كل طن قش، وطبقاً للتعاقد، لا يمكننى التصرف فى القش بالبيع قبل شهر يناير المقبل».
وأضاف: «الاحتفاظ بالقش لفترة تصل 4 أشهر يعرضنا للعديد من الأخطار، منها انتشار الزواحف والقوارض والحشرات، التى يشكو منها الجيران، ولا تقل هذه المخاطر عن أضرار دخان القش، كما أن الاحتفاظ بالقش لفترات طويلة يعرضه للتعفن نتيجة سقوط الأمطار عليه، فيفقد جزءاً كبيراً من قيمته، بينما تكون قيمته الاقتصادية أعلى إذا تم بيعه بعد الحصاد بفترة قصيرة»، مشيراً إلى أن «بعض الشركات التى بدأت فى جمع قش الأرز منذ سنوات ما زالت تحتفظ بالقش لديها، دون أن تجد وسيلة للتصرف فيه، ونسمع كل فترة عن حريق فى أحد مواقع تشوين القش، دون أن نسمع صوتاً للبيئة».
وقال المزارع محمد صلاح: «يهمنى أن أزرع أرضى بالبرسيم مبكراً، وطالما أن المعدات متوافرة، ويمكننى التخلص من القش فى الوقت المناسب، لا تكون هناك أزمة بالنسبة للجميع، فدخان القش يؤذينا كما يؤذى الآخرين، وكنا فى السابق نلجأ إلى الحرق لأن القش كان مصدر إزعاج لنا، لأننا لا نجد مكاناً لتخزينه»، مضيفاً: «لأول مرة فى هذا العام أجد المعدات تنزل إلى الأراضى لجمع القش، الذى عرفنا القيمة الاقتصادية له، وخلال فترة بسيطة أصبح لعود القش ثمن وقيمة غذائية، لكن الاستفادة منه تحتاج إلى جهد إضافى من الدولة».
من جهته، قال نقيب الفلاحين بالدقهلية، نسيم البلاسى: «ربع مساحة مصر مزروعة بالأرز، والدقهلية وحدها بها مساحة 414 ألف فدان أرز، وفقاً لإحصائيات مديرية الزراعة، ورغم ذلك المعدات الموجودة فيها لا تكفى لأكثر من جمع القش الناتج عن 50 ألف فدان، وطالبنا فى العام الماضى بزيادة أعداد المعدات دون استجابة، بينما لا يجد مزارع الأرز بديلاً عن الحرق».
وأوضح: «قش الأرز له فوائد عظيمة، حيث استفادت منه الفلبين، وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، فى صناعات كثيرة، وفرتها الدولة للفلاحين»، مضيفاً: «الصين عرضت أن تشترى القش المصرى لتحوله إلى صناعات أخرى منذ أكثر من 10 سنوات، لكنها لم تجد استجابة لدى الجانب المصرى، ونحتاج الآن إلى توعية المزارعين بقيمة القش، رغم أن المشكلة ليست فى المزارع وحده، وإنما فى وزارة البيئة نفسها، التى تتركه لتصرف المتعهدين فيه بالبيع، دون استفادة مجتمعية حقيقية على أرض الواقع».
وفى مواجهة انتقادات المزارعين والمتعهدين لوزارتى الزراعة والبيئة، قال وكيل وزارة الزراعة بالدقهلية، محمد المنسى: «لاحظ الجميع أن الحرق أقل خلال الموسم الحالى، مقارنة بأى موسم آخر، وهو دليل على زيادة وعى الفلاح بقيمة قش الأرز، وانتشار فرق المتابعة التابعة لوزارتى الزراعة والبيئة على جميع المحاور، بالإضافة إلى المتابعة بالقمر الصناعى»، مضيفاً: «لدينا مساحات كبيرة من الأراضى المزروعة بالأرز، والمقرر أن تزرع بالقمح، ما لن يتم قبل شهر ونصف الشهر، ولا أعرف لماذا يتعجل الفلاح الحرق، خاصة أن الأرض تحتاج وقتاً طويلاً قبل زراعتها بالقمح».
من جهتها، أشارت مصادر فى جهاز شئون البيئة إلى سهولة التعامل مع الحشرات أو القوارض المتفشية فى قش الأرز، عن طريق الرش أو المقاومة، مشددة على أن «حرق قش الأرز له أضرار صحية وبيئية كبيرة، ما استلزم تعاوناً مع الوزارات المختلفة، بينها الأوقاف، التى ساهمت فى توعية المواطنين، وتم تخصيص الجزء الثانى من خطبة الجمعة لتأكيد حرمة حرق القش، استناداً إلى فتوى دار الإفتاء المصرية».